responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 492
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} فَإِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَضَارِّ نَهْيُ الرَّجُلِ أَنْ يُضَارَّهَا بِوَلَدِهَا وَنَهْيُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تُضَارَّ بِوَلَدِهِ. وَالْمُضَارَّةُ مِنْ جِهَتِهَا قَدْ تَكُونُ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، فَأَمَّا فِي النَّفَقَةِ فَأَنْ تَشْتَطَّ عَلَيْهِ وَتَطْلُبَ فَوْقَ حَقِّهَا، وَفِي غَيْرِ النَّفَقَةِ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَالْإِلْمَامِ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَغْتَرِبَ بِهِ وَتُخْرِجَهُ عَنْ بَلَدِهِ فَتَكُونَ مُضَارَّةً لَهُ بِوَلَدِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ أَنْ لَا يُطِيعَهُ وَتَمْتَنِعَ مِنْ تَرْكِهِ عِنْدَهُ. فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ يَنْطَوِي عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} فَوَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهَا.
قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} هُوَ عَطْفٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ مَعْطُوفٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ، وَهِيَ حَرْفُ الْجَمْعِ، فَكَانَ الْجَمِيعُ مَذْكُورًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَالنَّهْيُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مُضَارَّةِ الْآخَرِ عَلَى مَا اعْتَوَرَهَا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا. ثُمَّ قال الله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} يَعْنِي النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَأَنْ لَا يُضَارَّهَا وَلَا تُضَارَّهُ; إذْ كَانَتْ الْمُضَارَّةُ قَدْ تَكُونُ فِي النَّفَقَةِ كَمَا تَكُونُ فِي غَيْرِهَا، فَلَمَّا قَالَ عَطْفًا عَلَى ذَلِكَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا عَلَى الْوَارِثِ جَمِيعَ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ فِي قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} قَالُوا: "النَّفَقَةُ". وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ: "عَلَيْهِ أَنْ لَا يُضَارَّ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُمَا "عَلَيْهِ أَنْ لَا يُضَارَّ" لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا النَّفَقَةَ وَاجِبَةً عَلَى الْوَارِثِ; لِأَنَّ الْمُضَارَّةَ قَدْ تَكُونُ فِي النَّفَقَةِ كَمَا تَكُونُ فِي غَيْرِهَا، فَعَوْدُهُ عَلَى الْمُضَارَّةِ لَا يَنْفِي إلْزَامَهُ النَّفَقَةَ; وَلَوْلَا أَنَّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ مَا كَانَ لَتَخْصِيصِهِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُضَارَّةِ فَائِدَةٌ; إذْ هُوَ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُضَارَّةُ فِي النَّفَقَةِ وَفِي غَيْرِهَا قَوْله تَعَالَى عَقِيبَ ذَلِكَ: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُضَارَّةَ قَدْ انْتَظَمَتْ الرَّضَاعَ وَالنَّفَقَةَ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْعَصَبَاتِ"، وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ; لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَخْتَصَّ بِهَا الْعَصَبَاتُ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْلِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: "النَّفَقَةُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ" وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عَلَى الْوَارِثِ أَنْ لَا يُضَارَّهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى عَلَى الْوَارِثِ النَّفَقَةَ; لِأَنَّ الْمُضَارَّةَ تَكُونُ فِيهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا نَفَقَةَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا الْأَبَ خَاصَّةً وَلَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ وَعَلَى ابْنِ الِابْنِ لِلْجَدِّ، وَتَجِبُ عَلَى الِابْنِ لِلْأَبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إلَّا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ وَالْجَدَّ وَوَلَدَ الْوَلَدِ".

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 492
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست