responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 550
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَوْله تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} يُحْظِرُ إكْرَاهَ الذِّمِّيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَحْظُورًا وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا فِي الْحُكْمِ وَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ; وَلَا يَكُونُ حُكْمُ الذِّمِّيِّ فِي هَذَا حُكْمَ الْحَرْبِيِّ; لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ يَجُوزُ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى الْإِسْلَامِ لِإِبَائِهِ الدُّخُولَ فِي الذِّمَّةِ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ إكْرَاهُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. قِيلَ لَهُ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ وَالطَّوْعِ لِمَنْ يَجُوزُ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَسَائِرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ جَدِّهِ وَهَزْلِهِ. ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُ بَعْد ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مُبَاحًا كَمَا لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ; لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ أَكْرَهْ رَجُلًا عَلَى طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، ثَبَتَ حُكْمُهُمَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ ظَالِمًا فِي إكْرَاهِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَكَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقِ عِنْدَنَا، كَذَلِكَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَمْرِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} الْآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّ إيتَاءَ اللَّهِ الْمُلْكَ لِلْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَاتِّسَاعِ الْحَالِ، وَهَذَا جَائِزٌ أَنْ يُنْعِمَ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً} [الإسراء: 18] فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الْمُلْكِ جَائِزٌ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكَافِرَ، وَأَمَّا الْمُلْكُ الَّذِي هُوَ تَمْلِيكُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَتَدْبِيرُ أُمُورِ النَّاسِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ; لِأَنَّ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى وَزَوَاجِرَهُ إنَّمَا هِيَ اسْتِصْلَاحٌ لِلْخَلْقِ فَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِصْلَاحُهُمْ بِمَنْ هُوَ عَلَى الْفَسَادِ مُجَانِبٌ لِلصَّلَاحِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمِنَ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ عَلَى أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَأُمُورِ دِينِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] . وَكَانَتْ مُحَاجَّةُ الْمَلِكِ الْكَافِرِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ النُّمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ، أَنَّهُ دَعَاهُ إلَى اتِّبَاعِهِ وَحَاجَّهُ بِأَنَّهُ مَلِكٌ يَقْدِرُ عَلَى الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَإِنَّ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَأَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. فَعَدَلَ عَنْ مَوْضِعِ احْتِجَاجِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى مُعَارَضَتِهِ بِالْإِشْرَاكِ فِي الْعِبَارَةِ دُونَ حَقِيقَةِ الْمَعْنَى; لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَاجَّهُ بِأَنْ أَعْلَمَهُ أَنَّ رَبَّهُ هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِرَاعِ، فَجَاءَ الْكَافِرُ بِرَجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَقَالَ قَدْ أَمَتُّهُ وَخَلَّى الْآخَرَ وَقَالَ قَدْ أَحْيَيْته; عَلَى سَبِيلِ مَجَازِ الْكَلَامِ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ; لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اخْتِرَاعِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. فَلَمَّا قَرَّرَ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ وَعَجَزَ الْكَافِرُ عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْرَدَ زَادَهُ حِجَاجًا لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ مُعَارَضَتُهُ وَلَا إيرَادُ شُبْهَةٍ يُمَوِّهُ بِهَا عَلَى الْحَاضِرِينَ، وَقَدْ كَانَ الْكَافِرُ عَالِمًا بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ، لَكِنَّهُ أَرَادَ التَّمْوِيهَ عَلَى أَغْمَارِ أَصْحَابِهِ

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 550
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست