وأيضاً تلميح الى الطرز المألوف والنسق المأنوس وهو ان المرء اولا ينادي أحداً فيوقفه. ثم يتوسمه فيوجهه. ثم يخاطبه فيخدمه. 1
فبناء على هذه النكت تكون التأكيدات في الخطاب مؤسسة من تلك الجهات.
أما النداء في "يا" فلأن المنادى هو الناس المشتمل على الطبقات المختلفة من الغافلين والغائبين والساكنين والجاهلين والمشغولين والمعرضين والمحبين والطالبين والكاملين يكون هذا النداء للتنبيه، وكذا للإِحضار، وكذا للتحريك، وكذا للتعريف، وكذا للتفريغ، وكذا للتوجيه، وكذا للتهييج، وكذا للتشويق، وكذا للازدياد، وكذا لهزّ العطف..
وأما البُعد في "يا" مع ان المقام مقام القرب، فاشارة الى جلالة وعظمة امانة التكليف.. وأيضاً ايماء الى بُعد درجة العبودية عن مرتبة الالوهية.. وأيضاً رمز الى بُعد اعصار المكلفين عن محلِّ وزمانِ ظهور الخطاب. وأيضاً تلويح الى شدة غفلة البشر.
وأما "أيّ" الموضوع للتوسم من العموم فرمز الى ان الخطاب لعموم الكائنات. فيخصص من بينها الانسان بتحمل الأمانة على طريق فرض الكفاية. فاذاً قصور الانسان تجاوزٌ لحق مجموع الكائنات.. ثم في "أي" جزالة الاجمال ثم التفصيل. 2
وأما "ها" فمع كونه عوضاً عن المضاف اليه، اشارة الى تنبيه من حضر بـ "يا".
وأما (الناس) فاشارة - بحكم تلميح الوصفية الأصلية - الى العتاب، أي "ايها الناس كيف تنسون الميثاق الأزلي"؟ وأيضاً الى العذر أي "ايها الناس لابد ان يكون قصوركم عن السهو والنسيان لا بالعمد والجد"!.
أما (اعبدوا) فبحكم جوابيته للنداء العام مناداه للطبقات المذكورة يدل على الاطاعة، ويشير الى الاخلاص، ويرمز الى الدوام، ويلوح الى التوحيد. أي اطيعوا.. واخلصوا.. واثبتوا.. وازدادوا.. ووحدوا.
1 فيستخدمه (ب)
2 لأن في كلمة «ايّ» إجمال وإبهام حيث ذكرت غير مضافة، الاّ ان كلمة «الناس» تزيل ذلك الابهام وتفصّل ذلك الاجمال (ت: 109)