اما كيفيات (وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم) فاعلم! ان نسبة انزل الى الضمير اشارة الى ان القطرات انما تُنزَل بميزان قصد وتُرسل بحكمة، حتى ان كل قطرة محفوفة بنظام مخصوص بأمارة عدم مصادمتها لأخواتها في تلك المسافة البعيدة مع تلعب الهواء بها. فيؤذن ان ليست غواربها على اعناقها [1]، بل زمام كل في يد ملَك ممثِّل لنظام ومعكس له.
أما (من السماء) فاشارة باقامة الظاهر مقام الضمير الى ان الغرض من هذه السماء جهتها لا جِرمها المخصوص. 2
اما (ماء) مع ان المنزل ثلج وبَرَد ومطر، فاشارة الى المنشأ القريب للاستفادة (وجعلنا من الماء كل شئ حي) [3]. أما تنكيره فاشارة الى انه ماء عجيب شأنه، غريب نظامه، مجهول لكم امتزاجاته الكميوية.
أما فاء (فاخرج) الموضوعة للتعقيب بلا مهلة مع المهلة بين نزول الماء وخروج الثمر فتلويح الى فـ"اهتزت الأرض وربت واخضرت وانبتت من كل زوج بهيج فاخرج". أما نسبة "اخرج" الى الضمير فاشارة الى ان خروج الثمار ليس بتولد وتركب فقط، بل الصانع الحكيم ينشؤها ويرتبها بصفات وخواص لاتوجد في مادتها.
أما (به) فبسبب تشرب المعنى الحقيقي - وهو الالصاق - للسببية رمز الى لطافة طراوة الثمار، فيعلو اليها الماء - خلاف طبيعته - بوساطة "الآثار الشعرية" فيملأ أقداح الثمرات ملصقاً بها.
أما (من الثمرات) فلعدم خلوها من معنى الابتداء عند (سيبويه) يشير الى مفعول يتنوع بتعين فهم السامع، أي ان من الثمرات أنواعاً كما تشتهون.
أما تنوين (رزقاً) فاشارة الى انه رزق مجهول لكم أسباب حصوله فيجئ من حيث لا يحتسب. [1] الصحيح: "حبلها على غاربها".. راجع الكتب الفقهية في بحث كنايات الطلاق والمعاجم اللغوية في مادة "غرب" (ب)
2 لأن المقام مقام الضمير، فاذا عدل عنه الى الظاهر يكون المراد به غير الاول ... (ب) [3] سورة الانبياء: 30.