فاعلم! ان المقصد الأصليّ في القرآن الكريم ارشادُ الجمهور الى أربعة اساسات هي: اثبات الصانع الواحد، والنبوّة، والحشر، والعدالة.. فذكرُ الكائنات في القرآن الكريم انما هو تبعيّ واستطراديّ للاستدلال؛ اذ ما نزل القرآن لدرس الجغرافيا والقوزموغرافيا [1]، بل انما ذكرَ الكائنات للاستدلال بالصنعة الإِلهية والنظام البديع على النظّام الحقيقي جل جلاله. والحال ان اثر الصنعة والعمد والنظام يتراءى في كل شئ. وكيف كان التشكل فلا علينا؛ اذ لا يتعلق بالمقصد الأصلي، فحينئذ ما دام انه يبحث عنها للاستدلال، وما دام انه يجب كونه معلوما قبل المدعى، وما دام انه يستحسن وضوح الدليل.. كيف لا يقتضي الارشادُ والبلاغةُ تأنيسَ معتقداتهم الحسية، ومماشاة معلوماتهم الأدبية بامالة بعض ظواهر النصوص، اليها، لا ليدل عليها بل من قبيل الكنايات او مستتبعات التراكيب مع وضع قرائن وامارات تشير الى الحقيقة لأهل التحقيق.
مثلا: لو قال القرآن الكريم في مقام الاستدلال: "ايها الناس! تفكّروا في سكون الشمس مع حركتها الصورية، وحركة الأرض اليومية والسنوية مع سكونها ظاهراً، وتأملوا في غرائب الجاذب العموميّ بين النجوم، وانظروا الى عجائب الالكتريك والى الامتزاجات الغير المتناهية بين العناصر السبعين، والى اجتماع الوف الوف حيوانات في قطرة ماء لِتعلموا ان الله على كل شئ قدير!.." لكان الدليل اخفى واغمضَ واشكلَ بدرجات من المدعى. وإنْ هذا الاّ مناف لقاعدة الاستدلال. ثم لأنها من قبيل الكنايات لا يكون معانيها مدار صدق وكذب. ألا ترى ان لفظ "قال" ألفه يفيد خفة سواء كان أصله واوا أو قافا أو كافا.
الحاصل: ان القرآن الكريم لأنه نزل لجميع الانسان في جميع الأعصار يكون هذه النقط الثلاث دلائل اعجازه. والذي علّم القرآنَ المعجِزَ انّ نظر البشير النذير وبصيرته النقّادَة ادقّ وأجلّ وأجلى وأنفذ من ان يلتبس او يشتبه عليه الحقيقة بالخيال، وان مسلكه الحقّ أغنى وأعلى وأنزه وأرفع من ان يدلِّس أو يغالط على الناس!. [1] علم الفلك.