ثم اعلم! ان الجنة وجهنم ثمرتان تدلّتا الى الابد من شجرة الخلقة، ونتيجتان لسلسلة الكائنات، ومخزنان لانصباب الكائنات، وحوضان للكائنات الجارية الى الأبد. نعم! تتمخض الكائنات وتختلط بحركة عنيفة فتتظاهر الجنة وجهنم فتمتلئان.
وايضاحه: هو ان الله جل جلاله لما اراد ان يبدع عالماً للابتلاء والامتحان لحكم كثيرة تدقّ عن العقول، واراد تغيير ذلك العالم وتحوّله لحِكَم؛ مزج الشر بالخير وادرج الضر في النفع، وادمج القبح في الحسن؛ فوصلها بجهنم وأمدها بها. وساق المحاسن والكمالات تتجلى في الجنة. وأيضاً لما اراد تجربة البشر ومسابقتهم، وأراد وجود اختلافات وتغيرات فيهم في دار الابتلاء خلط الأشرار بالأبرار. ثم لما انقضى وقت التجربة وتعلقت الارادة بأبديتهم جعل الأشرار مظهر خطاب (وَامْتَازُوا اْليَوْمَ اَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) [1]. وصير الأبرار مظهر تلطيفِ وتشريف (فَادْخُلُوهَا خَالِدينَ) [2] ولما امتاز النوعان تصفّت الكائنات فانسلّت مادة الضر والشر عن عنصر النفع والخير والكمال فاختارت جانبا.
والحاصل: انه لو امعن النظر في الكائنات صودف فيها عنصران أساسان وعرقان ممتدان اذا تحصلا وتأبدا صارا جنة وجهنم.
مقدمة
هذه الآية مع ما قبلها اشارة الى القيامة والحشر، فمدار النظر في هذه المسألة أربع نقط:
إحداها: إمكان خراب العالم وموته..
والثانية: وقوعه..
والثالثة: التعمير والإِحياء..
والرابعة: وقوعه..
أما امكان موت الكائنات: [1] سورة يس: 59. [2] سورة الزمر: 73.