أما نظم هيئات جملة جملة:
فجملة (وبشّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الواو فيها - بسر المناسبة بين المتعاطفين - اشارة الى "انذر" الذي يتقطر من أنف السابقة.. وأما "بشّر" فرمز الى ان الجنة بفضله تعالى لا واجب عليه.. وكذا الى ان لابد ان لا يكون العمل لأجل الجنة.. وأما صورة الأمر في "بشّر" فايماء الى "بلّغ مبشراً" فانه مكلَّف بالتبليغ..
واما (الذين آمنوا) بدل "المؤمنين" الأقصر فتلويح الى "الذين" الذي مرّ في رأس السورة ليكون تفصيله هناك مبيِّنا لما اجمل هنا.. واما ايراد "آمنوا وعملوا" على صيغة الماضي هنا، مع ايراد "يؤمنون" و "ينفقون" هناك بصيغة المضارع فللإشارة الى ان مقام المدح والتشويق على الخدمة شأنه المضارع. وأما مقام المكافأة والجزاء فالمناسب الماضي، اذ الاجرة بعد الخدمة..
وأما واو (وعملوا) فاشارة بسر المغايرة الى ان العمل ليس داخلا في الايمان كما قالت المعتزلة. والى ان الايمان بغير عمل لا يكفي. ولفظ العمل رمز الى ان ما يبشر به كالاجرة..
أما (الصالحات) فمبهمة ومجملة. قال "شيخ محمد عبده المصريّ" [1] الاطلاق هنا حوالة على الاشتهار وتعارف الصالحات بين الناس. أقول: وكذا اطلقت اعتماداً على رأس السورة.
وأما جملة (ان لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) فاعلم! ان هيئاتها - من تحقيق "انّ" وتخصيص "اللام" وتقديم "لهم" وجمع "الجنة" وتنكيرها وذكر الجريان وذكر "من" مع "تحت" وتخصيص "نهر" [2] وتعريفه - تتعاون وتتجاوب على امداد الغرض الاساسيّ الذي هو السرور ولذة المكافأة كالأرض النشفة الرطبة ترشح بجوانبها الحوض المركزيّ. لأن (انّ) اشارة الى ان البشارة بما هو في هذه
(1849 - 1905م) محمد عبده بن حسن خيرالله من آل التركماني، مفتى الديار المصرية. ولد في شنرا (من قرى الغربية بمصر) ، وتعلم بالجامع الاحمدى بطنطه ثم بالازهر وعمل في التعليم، وكتب في الصحف. اصدر مع جمال الدين الافغاني جريدة "العروة الوثقى " في باريس ثم عاد الى بيروت، فاشتغل بالتدريس والتأليف، دفن في القاهرة، له "تفسير القرآن الكريم " لم يتمه، و "رسالة التوحيد " و "شرح نهج البلاغة ".. (الاعلام 6/252) [2] وجمعه وتعريفه (ش)