نام کتاب : المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها نویسنده : ابن جني جلد : 1 صفحه : 168
فظاهره إلى التناقض؛ لأنا إذا فارقَنا فقد فارقْناه لا محالة، فما معنى قوله بعد: قبل أن نفارقه؟ وهو عندنا على إقامة المسبب مقام السبب في تفسيره: فارقَنا قبل أن نريد فراقه، فوضع المفارقة وهي المسبب موضع الإرادة لها وهي السبب؛ وذلك لقرب أحدهما من صاحبه.
ومثله قوله الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [1] أي: إذا أردت القراءة، وهو كثير قد مر في هذا الكتاب، وقد أفردنا له في الخصائص[2] بابًا قائمًا برأسه.
ومن ذلك قراءة حطان بن عبد الله:3 "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُل"[4]، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود.
قال أبو الفتح: هذه القراءة حسنة في معناها؛ وذلك أنه موضع اقتصاد بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وإعلام أنه لا يلزم ذمته ممن يخالفه تبعة؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [5]، وقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [6]، وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [7]، وقوله: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} [8].
ومعلوم أن "إنما" موضوعة للاقتصاد والتقليد، ألا ترى إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [9]؟ فهذا كقوله: {مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [10]، وقوله: {وَقَلِيل مَا هُمْ} [11]، وقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [12]. فلما كان موضع اقتصاد به، وفكٍّ ليد الذم عن ذمته، وكان من مضى من الأنبياء -عليهم السلام- في هذا المعنى مثله، لاق بالحال تنكير ذكرهم بقوله: "قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُلُ".
وذلك أن التنكير ضرب من الكف والتصغير، كما أن التعريف ضرب من الإعلام والتشريف، ألا ترى إلى قوله:
فمن أنتم إنانسينا من أنتم ... وريحكم من أي ريح الأعاصر13 [1] سورة النحل: 98. [2] انظر: الخصائص: 3/ 173-177.
3 هو حطان بن عبد الله الرقاشي، ويقال: السدوسي، كبير القدر، صاحب زهد وورع وعلم، قرأ على أبي موسى الأشعري عرضًا، قرأ عليه عرضًا الحسن البصري، مات سنة نيف وسبعين. طبقات القراء: 1/ 253. [4] قراءة الجمهور: "الرسل" بالتعريف. سورة آل عمران: 144. [5] سورة العنكبوت: 18. [6] سورة آل عمرن: 128. [7] سورة الرعد: 7. [8] سورة يونس: 42. [9] سورة فاطر: 28. [10] سورة هود: 40. [11] سورة ص: 24. [12] سورة سبأ: 13.
13 لزياد الأعجم. الدرر اللوامع: 1/ 137.
نام کتاب : المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها نویسنده : ابن جني جلد : 1 صفحه : 168