نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 127
أو الإلهام صادقًا كل الصدق، مصدِّقًا كلَّ التصديق، فالتقطه آل فرعون ليكون المصير والمآل أن ينجو، وأن تكون رسالته عدوًّا للشرك، وحزنًا على آل فرعون؛ إذ إنه سيقاوم فرعون ويقتلعه من أرض مصر، وقد وهب امرأة فرعون الرحمة لهذا المُلْقَى في اليم، وقد ألهم الله أمّ موسى أن تتقصَّاه حتى تعرف أنه آل أمره إلى بيت فرعون، ويجيء الأمر الثالث الخارق للعادة، فيمتنع الرضيع عن المراضع بأمر الله التكويني، وتعرف أخته التي تقصَّت أخباره، فتدلهم -وهي المترقبة المترصدة- على من يكفله، تدلهم على أمه، وبذلك يرده الله تعالى إليها كما وعد، وهو أصدق الواعدين، وقد اقترنت هذه الخوارق بنشأة موسى، كما تقترن الخوارق بنشأة كل رسول من رب العالمين، وقد رأيناها من بعد مقترنة بولادة محمد خاتم الأنبياء، وآخر لبنة في صرح النبوة، مما هو مذكور في السيرة النبوية المعطَّرة، وإنَّ سورة القصص يرى التالي لها المتتبع للقصة أنها ذكرت بالإجمال ولادته ونشأته في بيت فرعون إلى أن أرسله الله رسولًا نبيًّا، ولاقى فرعون في عزمة المؤيد من الله تعالى، وفيها ختام حياة فرعون، وما انتهى إليه من غرق في اليمّ.
ابتدأت بعد نشأته ببيان أنَّه فهم طغيان فرعون، وظلمه لبني مصر عامة، وتخصيصه بني إسرائيل بظلم خاص، فيقول الله سبحانه: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 14-17] .
أدرك موسى بنفاذ بصيرته القدرة على الحكم على الأمور والعلم بمداخلها، فأعطاه الله تعالى حكمة وعلمًا، وخرج من سجن القصر إلى حيث الشعب، يتحسّس الأمور، ويتعرَّف مقتضياتها وغايتها ومآلاتها، فدخل المدينة في وقت لا يعلم أهلها أنه من قصر فرعون، ورأى الإسرائيلي الذي يدل ظاهر الحال على أنه من المظلومين، يقتتل مع المصري الذي يدل ظاهر الحال على أنه من الظالمين، فاستنصر به الذي من شيعته على الذي من عدوه، وقتله ولكنه ندم؛ إذ قتل قبل أن يتبيِّن، وتاب إلى الله، واعتزم على ألَّا يعود لمثلها.
ولكن تتكرَّر المأساة، وتعاوده رغبته في الانتصار لمن هو من شيعته، فينبهه الآخر إلى أنَّه لا يصح أن يكون جبَّارًا في الأرض؛ إذ جاء من شيعته من يستنصر به على مصري آخر فيعرفه المصري فينبهه.
نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 127