نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 89
ثانيهما: إنَّ ذلك الثمر الكريه الذي تثمره شجرة من نار جهنم هو الطعام الدائم المستمر الذي لا يقدّم للطغاة إلّا هو، فلا يذوقون طيبًا؛ لأنَّهم لم يذيقوا الناس في الدنيا طيبًا، وهو يكون جزاء الخبيث إلا خبثًا.
الكلمة الثالثة: كالمهل يغلي في البطون، والمهل دردى الزيت، أي: الراسب، أو بقايا الزيت، وتكون عادة سوداء معتمة، ثم هي في ذاتها شيء رديء، وأعطاه القرآن وصفًا وهو أنَّه يغلي في البطون، فهو بقايا رديئة أصابها العطن لغليانها، إمَّا لحموضتها؛ إذ تغلي كالأشياء العطنة التي تتخمَّر وتغلي بالزبد، وإمَّا لأنها تكون ذات حرارة شديدة تغلي من شدة هذه الحرارة، ولعلَّ غليانها من الأمرين، فهي متعفنة تغلي بالزبد من الحموضة، أو هي حارة تغلي منها البطون لشدة الحرارة، وفي كلتا الصورتين تدخل على البطون غذاءً وبيئًا، إن كان فيه مادة الغذاء، وليس غذاء مريئًا، فهو إن يمنع غائلة الموت ويبقى فإنَّمَا يبقى لتستمر الآلام، وتكون حياته نكدًا، فطعام كريه في مذاقه وبيء في مآله، مؤلم في كل أحواله.
وقد يقال: إنَّ الأظهر هنا أنَّ الغليان من العفونة التي تكون من بقايا هذا الزيت؛ لأنَّ التشبيه جاء بعد ذلك في قوله تعالى: {كَغَلْيِ الْحَمِيم} وهو الماء الحار إذا بلغ أقصى درجات الحرارة، فغَلَى واشتدَّ غليانه، والجواب: إنَّ الزيت يغلي مع شدة الحرارة كغليان الماء، وهو في هذه الحال يكون أشد؛ لأنه يكون في درجة حرارة أعلى، وكان تشبيهه بالماء للتصوير والتقريب، وكثير من تشبيهات القرآن للتقريب والتصوير، فالغليان يكون بالعفونة وبالحرارة معًا.
الكلمتان الرابعة والخامسة: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} فإنَّ كل كلمة من هذه الكلمات تصور صورة عنيفة لهذا الذي عصى وغوى، وضلَّ إذ حسب أنه استغنى.
فكلمة الأخذ تنبئ عن القبض بعنف، وقد كان في القرآن الكريم ما يدل على العنف فيها كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] ، وكان الأخذ بأمر الله لملائكة غلاظ شداد، فكان الأخذ في ذاته شديدًا، وكان الآخذون أشدَّاء، وتجهيلهم هنا مع وصفهم في آية أخرى بأنهم غلاظ شداد، فيه إرهاب وبيان لعظم الأخذ بالآخذين.
وقد فسَّر سبحانه في الآية بما يدل على شدة الأخذ، وبيان أنه نوع خاص منه؛ إذ قال سبحانه: {فَاعْتِلُوه} ؛ إذ العتل هو الأخذ بمجامع الشيء والإحاطة به، وجره بالقهر والعنف، فإذا كان الأخذ في ذاته عنيفًا، فهو في هذا النص أشد عنفًا؛ إذ هو جر وإحاطة قوية بالمأخوذ، وإن الأخذ بهذه الصورة من جر عنيف وإحاطة فيه ما يدل على الإهانة والتحقير، وخصوصًا إذا كانوا يحسبون أنهم وحدهم الكرام، وغيرهم أراذل دونهم، فإن الأخذ بطريق لعتلٍّ يعطي صورة للمهانة التي يكون عليها من يستكبرون على
نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 89