يستعينه في تمييز بعض الحديث المرفوع من الحديث الموقوف أو المقطوع[1].
أما الأسلوب القرآني فإنه يحمل طابعًا لا يلتبس معه بغيره، ولا يجعل طامعًا يطمع أن يحوم حول حماه؛ بل يدع الأعناق، تشرئب إليه ثم يردها ناكسة الأذقان على الصدور.
كل من يرى بعينين أو يسمع بأذنين إذا وضع القرآن بإزاء غير القرآن في كلفتي ميزان، ثم نظر بإحدى عينيه أو استمع بإحدى أذنيه إلى أسلوب القرآن، وبالأخرى إلى أسلوب الحديث النبوي وأساليب سائر الناس، وكان قد رزق حظ ما من الحاسة البيانية والذوق اللغوي فإنه لا محالة سيؤمن معنا بهذه الحقيقة الجلية، وهي أن أسلوب القرآن لا يدانيه شيء من هذه الأساليب كلها، ونحسب أنه بعد الإيمان بهذه الحقيقة لن يسعه إلا الإيمان بتاليتها.. استدلالًا بصنعة "ليس كمثلها شيء" على صانع {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2
الانتقال من جلاء الشبهة إلى شفاء الغلة، يكش جوانب من أسرار الإعجاز:
إن كان السائل من طلاب الحق كما وصفنا، وانتهى من بحثه إلى حيث أشرنا، فأبصر وسمع، وقايس ووازن، وذاق ووجد، فسوف يتقدم إلينا بكلمته الأخيرة قائلًا: نعم نثلت[3] كنانة الكلام بين يدي، وعجمت سهامها فما وجدت كالقرآن أصلب عودًا، ولقد وردت مناهل القول وتذوقت طعومها فما وجدت كالقرآن أعذب موردًا. والآن آمنت أنه كما وصفتموه نسيج وحده، وأنه يعلو وما يُعْلَى، وأنه يحطم ما تحته، غير أنني وقد أدركت من قوة الأسلوب القرآني وحلاوته ما أدركت -لم يزل [1] ألقاب اصطلح عليها علماء الرواية، يعنون من المرفوع ما نسب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والموقوف ما نسب إلى الصحابة، والمقطوع ما نسب إلى التابعين.
2 سورة الشورى: الآية 11. [3] نثلت: استخرجت، يقال: نثل ما في الحفرة، ونثل ما في الوعاء، ونثل ما في الكنانة