عَلَى الْمُحْسِنِينَ، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
ترى كيف سيكون الانتقال إلى هذه الحلقة الثانية؟ هل يصعد القرآن بنا توًّا إلى تفصيل هذه الشئون المنزلية المشتبكة المتشعبة؟ كلا إن هذا البيان التربوي الحكيم لن يهجم بنا عليها دفعة، ولكنه سيتلطف في الوصول بنا إليها على معراج من الأسئلة والأجوبة، تتصل أوائلها[1] بالأحكام الماضية: الإنفاق والجهاد "215- 218" وتتصل أواخرها2 بالأحكام التالية: مخالطة اليتامى، وشرائط المصاهرة، وموانع المباشرة "220- 222".. وهكذا نصل في رفق ولين، دون اقتضاب ولا ابتسار إلى صميم الحلقة الثانية "223- 237" حيث نتلقى في شأن الحياة الزوجية دستورًا حكيمًا مؤلفًا من شطرين؛ وشطره الأول يعالج شئون الأسرة في أثناء اتصالها "223- 232"، وشطره الأخير يعالج شئونها في حال انحلالها وانفصالها "233- 237".
فخذ هذه الحلقة الجديدة من السورة الكريمة، وتعرف أسباب نزولها، وانظر كيف كانت كل قضية منها فتيا في حادثة معينة منفصلة عن أخواتها؛ ثم عد لتنظر في أسلوبها البياني جملة؛ وحاول أن ترى عليه مسحة انفصال أو انتقال، أو أن تحس فيه أثرًا لصنعة لصق، أو تكلف لحام.. واعلم منذ الآن أنك ستحاول عبثًا؛ فإنك لن تجد أمامك إلا سبيكة واحدة يطرد فيها عرق واحد، ويجري فيها ماء واحد، على رغم أنها جمعت من معادن شتى.. [1] و2 ارجع البصر كرتين إلى هذا النظام الهندسي في البيان.. ثم سل نفسك هل كان في الإمكان أن يأتلف عقد نظامه لو لم تقع الأحداث التي اتخذت منها مادته، أو لو وقع بعضها وتخلف بعضها، أو لو وقعت كلها ولم تنبعث في روع القوم باعثة السؤال عن أحكامها..؟ لقد كان القدر يسير إذًا في ركاب هذا التنظيم، فأثار مادة حوادثه، وبعث حاجات النفوس إلى طلب بيانها.. ولم يبق إلا أن تقول معي: آمنت أن الذي بيده تصريف الزمان، هو هو الذي بيده تنزيل القرآن.. ألا له الخلق والأمر. تبارك الله رب العالمين.