إلى بني إسرائيل حتى إذا أشرف عليهم صار يدعو باسم الله الأعظم أن يخذلهم، فانصرف دعاؤه إلى قومه، وصار كلما دعا على قوم موسى بشيء أوقعه الله على قومه ولا يدعو لقومه بشيء إلا صرفه الله إلى قوم موسى، وذلك أنه صار ينطق بغير اختياره فقال له قومه: ويلك يا بلعام إنما تدعو لهم وعلينا فقال هذا مما لا أملكه، فقد غلبني الله عليه، ولم يزل يدعو لقومه وعلى بني إسرائيل وهو يجاب بالعكس حتى اندلع لسانه وقال لهم ذهبت دنياي وآخرتي ولم يبق لكم إلا المكر والحيل، وسأبين لكم ما يكون به إليكم الغلبة عليه، فقالوا كيف قال: جمّلوا نساءكم واتركوهن بين معسكرهم وأوصوهن أن لا يمنعن أحدا من الزنى بهنّ فإن زنى واحد منهم بواحدة منكم كفيتموهم، ففعلوا وطافت نساؤهم بين عساكرهم فمرت امرأة تسمى كستى بنت صور من أجمل النساء على رمزي بن شلهوم من عظماء بني إسرائيل فاقتادها، قرآه موسى فقال هي حرام عليك لا تقربها، فلم ينته، وأدخلها قبته وضاجعها، فأرسل الله الطاعون على قوم موسى، وكان صاحب أمره فخاص ابن العيزار غائبا، فلما
حضر وبلغه ذلك دخل عليهما بالقبة وانتظمهما بحربته، ورفعهما إلى السماء وقال اللهم هذا فعلنا بمن عصاك فأرنا فعلك في عدونا واكشف عنا ما ابتلينا به بسببه، فرفع الله عنهم الطاعون، وقد بلغ من مات من حين ضاجعها إلى زمن قتلهما سبعين ألفا. وفي بلعام المذكور نزلت هذه الآية على حضرة الرسول ليقصها على قومه، وهي من الإخبار بالغيب معجزة له صلّى الله عليه وسلم. وتروى هذه القصة بصورة أخرى. وهي أن ملك البلقاء كلف بلعاما أن يدعو على بني إسرائيل وموسى وكان ما كان مما قصصناه أعلاه وفيها أن الله استجاب دعاءه ووقع موسى وقومه في التيه، وأن موسى قال رب كما استجبت دعاءه فاستجب دعائي عليه وانزع منه اسمك الأعظم والإيمان، فاستجاب الله دعاءه وسلخه من المعرفة، فخرجت من صدره كحمامة بيضاء، ولا يقال كيف يدعو موسى بسلبه الإيمان ويرضى له بالكفر مع علو منصبه وأمره بدعوة الناس إلى الإيمان ذلك لأنه لم يدع عليه إلا بعد أن ثبت عنده كفره وارتداده عن الإيمان بدعائه عليه وعلى قومه وإيثاره الدنيا على الآخرة