وكذا العبادة فهي لهو أو ريا ... ما لم تحصل طاعة الخلاق
هذا وقد اختار جل العلماء صيغة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم على غيرها من صيغ التعويذ لأنها أجمعها ولموافقتها لما جاء في التنزيل كما هو مبين في الآية الأولى. ومعنى أعوذ بالله ألتجئ إلى الله وامتنع به من كل سوء إذ هو الإله الذي لا رب غيره ولا معبود سواه، المستغاث به من كل ما يخشى، والمستعان به على كل ما يراد ويخاف منه ويفزع «من الشيطان» هو كل عات طاغ من الجن والانس «الرجيم» الطريد وهو بمعنى لم الفاعل أي الذي يرجم الناس بالوسوسة وترجمه الناس باللعن وبمعنى اسم المفعول اي المرجوم بالطرد من رحمته والبعد عن خيره. فهذه الاستعاذة عبارة عن اقرار العبد بالعجز واعترافه بقدرة خالقه على دفع ما يضره وجلب ما ينفعه.
مطلب منى يكون الأمر واجبا وتذكير بعدوه الباغي الفاجر لأبينا آدم عليه السلام وتهديده لذريته بالإغراء إلى اليوم الآخر وقطع بأنه لا يقدر على حفظه من إغوائه غير ذلك الرب الذي التجأ اليه من شره لعنه الله، وحكم الاستعاذة شرعا على قول جمهور العلماء أنها سنة مستحبة في الصلاة وغيرها، وقال عطاء بوجوبها للأمر بها في الآيات المارات، ولمواظبة الرسول عليها، ودليل الجمهور على سنيتها عدم تعليمها للأعرابي في جملة أعمال الصلاة، ومواظبة الرسول عليه السلام لا تقتضي الوجوب على لجملة، لأنه واظب على أشياء كثيرة ليست بواجبة على أمته كتكبيرات الزوائد في العيدين والتسبيحات في الركوع والسجود وصلاة الليل وقيامه وغيرها، والأمر في القرآن قد لا يكون واجبا حتى إذا كان معلقا على فعل آخر كما في تلك الآيات لأن المعنى فيها إذا أردتم القراءة فاستعيذوا كما في قوله تعالى: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) أي إذا أردتم القيام إليها لا مطلقا وإلا لوجب الوضوء دون إرادة الصلاة وليس كذلك، فالأمر الذي ينصرف للوجوب من كل وجه هو الذي لم يقيد ولم يخصص ولم يعلق على غيره كقوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) أما إذا وجد الصارف عن الوجوب أو ارتبط الأمر بغيره فلا يكون واجبا في كل حال كما في آيات الاستعاذة والوضوء المارات وسيأتي تفصيله في تفسير آية الوضوء/ 7/ من المائدة في ج 3 وما يماثلها من السور الأخرى هذا.