نام کتاب : مباحث في علوم القرآن نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 138
تفسيرا، وجاء كلا الأمرين الآخرين محتملا، ففي التأويل الأول قول ابن عباس من رواية الكلبي: "نزلت الآية في طيطوس[1] الرومي وأصحابه من النصارى، وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتلتهم، وسبوا ذراريهم، وحرقوا التوارة, وخربوا بيت المقدس، وقذفوا فيه الجيف" ولا مانع من هذا التأويل في نظر المؤرخين لأن دخول طيطوس بيت المقدس وتخريبها وقع بعد المسيح بسبعين سنة. وفي التفسير الآخير قول ابن عباس أيضا ولكن من رواية عطاء[2]: "نزلت في مشركي أهل مكة، ومنعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام"، وابن عباس يشير بهذا إلى قصة عمرة الحديبية، وربما بدا هذا التأويل للوهلة الأولى أقرب إلى السياق القرآني والتاريخي، أو ربما بدا على الأقل أكثر احتمالا من حادثة طيطوس, إذ طال على هذه الأمد فلا مناسبة لأن تكون هي المقصودة بالآية، ولكن يعترض على هذا التأويل بأن مشركي العرب عمروا المسجد الحرام في جاهليتهم، وعدوه مناط عزهم وفخرهم، وما سعوا في خرابه قط، فلا تقصدهم الآية إلا في ناحية واحدة: وهي منعهم النبي وأصحابه من دخول مكة في عمرة الحديبية[3].
وحتى الخطأ الفاحش الذي ارتكبه الواحدي -جهلا بحوادث التاريخ- يمكن التماس العذر له فيه بحمل قوله على أدرينال الروماني الذي سماه اليهود "بختنصر الثاني" وقد جاء بعد المسيح بمائة وثلاثين سنة، وبنى مدينة على أطلال أورشليم وزينها وجعل فيها الحمامات، وبنى هيكلا للمشتري على أطلال هيكل سليمان، وحرم على اليهود دخول المدينة، وجعل جزاء من [1] وردت في مطبوعة "أسباب النزول ص24" ططلوس، صوابها ما أثبتناه, ومنهم من يسميه "تيتوس" بتاءين بدلا من الطاءين. [2] لا بد أن يلاحظ هنا كيف تضاربت روايتان كلتاهما عن ابن عباس، إلا أن أحداهما من طريق الكلبي والأخرى من طريق عطاء! ومن عجب أن ابن عباس نفسه يرى الآية نازلة تارة في الرومان وتارة في العرب!. [3] ومن هنا رأى الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسير المنار 1/ 431 أنه يصح أن تكون الآية في الأمرين على التوزيع, فالذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه هم مشركو مكة والذين سعوا في خرابها هم مشركو الرومانيين, وفي قرن العملين إشارة إلى تساويهما في القبح!.
نام کتاب : مباحث في علوم القرآن نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 138