فهذا الخبر الثاني يدل على أنها بمكة وأن سبب نزولها سؤال قريش إياه. أما الأول فصريح في أنها نزلت بالمدينة بسبب سؤال اليهود إياه وهو أرجح من وجهين: أحدهما أنه رواية البخاري أما الثاني فإنه رواية الترمذي ومن المقرر أن ما رواه البخاري أصح مما رواه غيره. ثانيهما أن راوي الخبر الأول وهو ابن مسعود كان مشاهد القصة من أولها إلى آخرها كما تدل على ذلك الرواية الأولى بخلاف الخبر الثاني فإن رواية ابن عباس لا تدل الرواية على أنه كان حاضر القصة ولا ريب أن للمشاهدة قوة في التحمل وفي الأداء وفي الاستيثاق ليست لغير المشاهدة ومن هنا أعملنا الرواية الأولى وأهملنا الثانية.
وأما الصورة الثالثة- وهي ما استوت في الروايتان في الصحة ولا مرجح لإحداهما لكن يمكن الجمع بينهما بأن كلا من السببين حصل ونزلت الآية عقب حصولهما معا لتقارب زمنيهما فحكم هذه الصورة أن نحمل الأمر على تعدد السبب لأنه الظاهر ولا مانع يمنعه. قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب.
مثال ذلك: ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة أو حد في ظهرك". فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة. وفي رواية أنه قال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله تعالى ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} حتى بلغ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} اهـ وهذه الآيات من سورة النور.
وأخرج الشيخان واللفظ للبخاري عن سهل بن سعد أن عويمرا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان فقال: كيف تقولون في رجل وجد مع