وكان القرآن في حملته عليهم وعلى أمثالهم بالقول بعيدا عن كل معاني السباب والإقذاع متذرعا بالحكمة والأدب الكامل في الإرشاد والإقناع حاثا على الصبر والعفو والإحسان حتى ليخاطب الله رسوله في سورة الأنعام المكية بقوله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} .
ظاهرة مسكتة
على أننا نلاحظ في آفاق الآيات والسور المكية ظاهرة باهرة تسكت كل معاند وتفحم كل مكابر في هذا الموضوع. وهي أن القسم المكي خلا خلوا تاما من تشريع القتال والجهاد والمخاشنة كما خلت أيامه في مكة على طولها من مقاتلة القوم بمثل ما يأتون من التنكيل والمصاولة فلم يسمع للمسلمين فيها صلصلة لسيف ولا قعقعة لسلاح ولا زحف على عدو. إنما هو الصبر والعفو والمجاملة والمحاسنة بالرغم من إيغال الأعداء في أذاهم ولجاجهم في عتوهم وأساهم سبا وطعنا وقتلا ونهبا ومقاطعة ومهاترة ومصاولة ومكابرة.
3- وأما زعمهم أن القسم المكي يمتاز بكل مميزات الأوساط المنحطة فهو مردود عليهم باطل من كل باب دخلوه وعلى أي وجه أرادوه لأنهم إن أرادوا بذلك ما توهموه من انفراده بالشدة والعنف أو السباب والإقذاع فقد علمت مبلغ