ثم إن مفهوم هذا الضابط المحكوم عليه بما ترى تنضوي تحته بضع صور يخالف بعضها حكم بعض تفصيلا وإن اشتركت كلها في الحكم عليها إجمالا بعدم قبولها كما علمت.
ذلك أن الضابط المذكور يصدق مفهومه بنفي الأركان الثلاثة ويصدق بنفي واحد واثنين منها. ولكل حالة حكم خاص تعلمه من عبارة الإمام مكي التي نسوقها إليك ونصها: فإن سأل سائل: ما الذي يقبل من القراءات الآن فيقرأ به؟ وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟ وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به فالجواب أن جميع ما روي من القراءات على أقسام: قسم يقرأ به اليوم: وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال وهن أن ينقل عن الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغا ويكون موافقا لخط المصحف.
فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به وقطع على تعينه وصحته وصدقه لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خط المصحف وكفر من جحده. قال: والقسم الثاني: ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف. فهذا يقبل ولا يقرأ به[1] لعلتين: إحداهما أنه لم يؤخذ عن إجماع إنما أخذ أخبار الآحاد ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد. والعلة الثانية أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على تعينه وصحته وما لم يقطع على صحته لا تجوز القراءة به ولا يكفر من جحده, [1] ومعنى هذا أنه يقبل على اعتبار أنه خبر شرعي يصح الاحتجاج به عند من يرى ذلك وهم الحنفية دون الشافعية, ولا يقرأ به على أنه قرآن, ولا ليوم القارئ أحدا أنه قرآن. قال النويري: اعلم أن الذي استقرت عليه المذاهب وآراء العلماء أن من قرأ بها أي الشواذ غير معتقد أنها قرآن ولا موهم أحدا ذلك لما فيها من الأحكام الشرعبة عند من يحتج بها أو الأحكام الأدبية؛ فلا كلام في جواز قراءتها. وعلى هذا يحمل حال من قرأ بها عند المتقدمين. وكذلك أيضا يجوز تدوينها في الكتب والتكلم على ما فيها. وإن قرأها باعتقاد قرآنيتها أو لإيهام قرآنيتها حرم ذلك. ونقل ابن عبد البر في تمهيده إجماع المسلمين عليه اهـ.