وأمروا بالتجريد كيلا يختلط بالقرآن غيره ونقل إلينا متواترا فنعلم أن المكتوب في المصحف المتفق عليه هو القرآن وأن ما هو خارج عنه فليس منه إذ يستحيل في العرف والعادة مع توافر الدواعي على حفظه أن يهمل بعضه فلا ينقل أو يخلط به ما ليس منه. ثم قال: فإن قيل: لم شرطتم التواتر؟ قلنا ليحصل العلم به لأن الحكم بما لا يعلم جهل وكون الشيء كلام الله تعالى أمر حقيقي ليس بوضعي حتى يتعلق بظننا فيقال: إذا ظننتم كذا فقد حرمنا عليكم فعلا أو حللناه لكم فيكون التحريم معلوما عند ظننا ويكون ظننا علامة لتعلق التحريم به. إلى أن قال:
ويتشعب عن حد الكلام مسألتان: إحداهما مسألة التتابع في صوم كفارة اليمين: فإنه ليس بواجب على قول وإن قرأ ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات لأن هذه الزيادة لم تتواتر فليست من القرآن فتحمل على أنه ذكرها في معرض البيان لما اعتقده مذهبا فلعله اعتقد التتابع حملا لهذا المطلق على المقيد بالتتابع في الظهار. وقال أبو حنيفة: يجب التتابع لأنه وإن لم يثبت كونه قرآنا فلا أقل من كونه خبرا والعمل يجب بخبر الواحد. وهذا ضعيف لأن خبر الواحد لا دليل على كذبه وهو[1] إن جعله من القرآن فهو خطأ قطعا لأنه وجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغه طائفة من الأمة تقوم الحجة بقولهم وكان لا يجوز له مناجاة الواحد به. وإن لم يجعله من القرآن احتمل أن يكون ذلك مذهبا له لدليل قد دله عليه واحتمل أن يكون خبرا. وما تردد بين [1] كذا بالأصل الذي نفلت عنه. ولعل الواو في لفظ وهو زادتها المطبعة خطأ. وجملة لا دليل على كذبه حالية من لفظ الواحد, والمعنى هكذا: لأن خبر الواحد هنا حال كونه لا دليل على كذبه, ولفظ هو ضمير فصل أو عائد على خبر الواحد, إن جعله أبو حنيفة من القرآن الخ. ويمكن أن تكون كلمة وهو كلها مدرجة في الطبع أو النسخ فتدبر.