كذا وتتركوا كذا ثم سكت الملك ولم يكذبه ثم لم يكتف الرجل بطهارة ماضيه وسكوت مليكه في ترويج دعوته وتأييد رسالته. بل قال إن آية صدقي أن يغير مولاي الملك عادته الآن ويخرج عن تقليد من تقاليده المعروفة لكم جميعا وذلك بأن يعري رأسه في هذا المجلس العام. ثم ما كاد ينتهي حتى عرى المليك رأسه وخلع تاجه. أفلا يعتبر ذلك دليلا كافيا على صدق هذا الرجل وصدق ما جاء به؟ ثم ما بالك إذا هو قد عزز دليله بالتحدي فقال: إني أتحداكم أن يجيبكم الملك إلى مثل ما أجابني إليه. فأخذوا يطلبون ويلحون فلم يستجب لهم الملك ولم يغير عادته معهم ولا مرة واحدة. أفلا يكون ذلك برهانا أبلج من الصبح على أن هذا الداعي هو رسول هذا الملك حقا؟ ثم ألا يكون المكذب بعد ذلك معاندا ومكابرا ويكون بالحيوان الذي لا يفهم ولا يعقل أشبه منه بالإنسان الذي يفهم ويعقل؟ {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} .
وذلك المثل هو مثل رسل الله تؤيدهم معجزات الله. {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
الشبهة السابعة يقولون: إن هذا الوحي للذي تدعونه وتدعون تنجيمه جاء بهذا القرآن غير مرتب ولا منظم فلم يفرد كل غرض من أغراضه بفصل أو باب شأن سائر الكتب المنظمة. بل مزجت أغراضه مزجا غير مراعى فيه نظام التأليف فيبعد أن يكون وحيا من الله. وهذه الشبهة واردة كما ترى على تنجيم القرآن وترتيبه أيضا.
والجواب: أن مخالفة القرآن لأنظمة الكتب المؤلفة لا تعتبر عيبا فيه ولا في وحيه وموحيه بل هي على العكس دليل مادي على أنه ليس بكتاب وضعي بشري يجلس إليه واضعه من الناس فيجعل لكل طائفة من معلوماته المتناسبة فصلا ولكل مجموعة من فصوله المتناسقة بابا بل هو مجموع إشراقات من الوحي الإلهي الأعلى. اقتضتها الحكمة ودعت إليها المصلحة. على ما هو مفصل في أسرار تنجيم القرآن.