المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل:
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
الشبهة الثامنة يقولون: إن محمدا كان عصبيا حاد المزاج وكان مريضا بما يسمونه الهستريا فالوحي الذي كان يزعمه ما هو إلا أعراض لتلك الحال التي أصيب بها.
والجواب: أن هذه فرية تدل على جهلهم الفاضح بمحمد صلى الله عليه وسلم. فالمعروف عنه بشهادة التاريخ الصحيح والأدلة القاطعة أنه كان وديعا صبورا حليما بل كان عظيم الصبر واسع الحلم فسيح الصدر حتى إنه وسع الناس جميعا ببسطه وخلقه. وكان شجاعا مقداما سليم الجسم صحيح البدن، حتى إنه صارع ركانة المشهور بشجاعته فصرعه وكان يثبت في الميدان حين يفر الشجعان ويفزع الخلق ويشتد الأمر ويقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" ويقول: "إلي عباد الله" ولا يزال كذلك حتى ينقذ الموقف ويكسب المعركة. ولو أفضنا في هذا الموضوع لطال بنا الكلام ولكن موضوعه كتب السيرة والشمائل المحمدية فارجع إليها إن شئت أما مرض الهستريا الذي يصمونه كذبا به فهو داء عصبي عضال أكثر إصاباته في النساء. ومن أعراضه شذوذ في الخلق وضيق في التنفس واضطراب في الهضم. وقد يصل بصاحبه إلى شلل موضعي ثم إلى تشنج ثم إلى إغماء ثم إلى هذيان مصحوب بحركة واضطراب في اليدين والرجلين وقفز من مكان إلى مكان. وقد يزعم المصاب أنه يرى أشباحا تهدده وأعداء تحاربه أو أنه يسمع أصواتا تخاطبه على حين أنه لا وجود لشيء من ذلك كله في الحس والواقع.