ناحية أن محمدا كان الفرد الكامل في بيانه بين قومه لذلك جاء قرآنه الفرد الكامل أيضا بين ما جاء به قومه ولم يستطيعوا لهذا الاعتبار وحده أن يأتوا بمثله شأن الرجل الفذ بين أقرانه في كل عصر.
ويجيب على هذه الشبهة بأجوبة خمسة:
أولها: أن كل من أوتي حظا من حس البيان وذوق البلاغة يفرق بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث النبوي فرقا كبيرا يمثل الفرق الكبير بين مقدور الخالق ومقدور المخلوق. وها هما القرآن والحديث النبوي لا يزالان قائمين بيننا يناديان الناس بهذا الفارق البعيد إن كان لهم إحساس في البيان وذوق في الكلام.
ولو كان لهذه الشبهة شيء من الوجاهة لكان أولى الناس أن يرفعوا عقيرتهم بها هم أولئك العرب الخلص الذين شافههم القرآن لأنهم كانوا أحرص على تعجيز محمد وإسكاته للاعتبارات التاريخية المعروفة. لكنهم ما قالوا هذا. بل كانوا أكرم على نفسهم من أن يقولوه إيقانا منهم بظهور المميزات الفائقة بكلام الربوبية عن كلام النبوة بحيث لا يلتبس أحدهما بالآخر في شيء. وهكذا من ذاق عرف ومن حرم انحرف.
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم
الجواب الثاني: أن القرآن لم يأت الناس من الخلف بل جاءهم من أوسع الأبواب ودخل عليهم من طريق العرب الخلصاء ذوي اللسن والبيان. وتحداهم من الناحية التي نبغوا فيها وهي صناعة الكلام تلك الصناعة البيانية الفائقة التي وقفوا عليها مواهبهم وأنفقوا فيها حياتهم حتى صارت موضع تنافسهم وسبقهم وموضوع فخرهم وفوقهم. شأن معجزات الله تعالى لم تأت الناس إلا من