رُبَّ رَكْبٍ قَدْ أَنَاخُوْا حَوْلَنَا يَشْرَبُوْنَ اْلخَمْرَ بِالمَاءِ الزُّلاَلِ
ثُمَّ أَضْحَوْا عَصَفَ الدَّهْرُ بِهِمُ وَكَذاكَ الدَّهْرُ حَالاً بَعْدَ حَالِ
1@ن على الأرض المجدّون ... فقالَ: أَعِدْ، فَأَعَادَ فَرَجَعَ فَتَنَصَّرَ)) (2)
(1) قال محقق الأغاني: كذا في جميع الأصول، والشعر من مجزوء الرمل، وتقطيعه: ... وَكَمَا نَحْنُ تَكُوْنُوْنَ
فاعلاتن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلاتن
فيكون على هذا غير موزون، وجاء في شعراء النصرانية (2/442) هكذا: "كَمَا أَنْتُمُ كَذا كُنَّا"، وهذا الشطر أيضاً من بحر آخر يقال له الهزج، وتقطيعه: مفاعيلن مفاعيلن.
ومن المحتمل أن يكون معطوفاً بالواو على بيت قبله سقط حتى يصح الوزن.
(2) أخرجه أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني (2/133-135) بصيغة أتم، وفيه بعض الاختلاف والزيادات على ما عند المصنف. ولذا أسوق ما عند أبي الفرج برُمّته، قال: أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا إبراهيم بن فهد، قَالَ: حدثنا خليفة بن خياط شباب العصفري، قال حدثنا هشام بن محمد به.
وقال: وأخبرني به عمي، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قال أخبرنا محمد بن يزيد بن زياد الكلبي أبو عبد الله،
قال: حدثني معروف بن خَرَّبُوْذ عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة بن عمرو قال: سمعت جدي جرير بن عبد الله
ـ ولفظ هذا الخبر لأحمد بن عبيد الله وروايته أتم، قال: ((كان سبب تنصر النعمان ـ وكان يعبد الأوثان قبل ذلك، وقال أحمد بن عبيد الله في خبره: النعمان بن المنذر الأكبر ـ أنه كان خرج يتنزه بظهر الحيرة ومعه عدي بن زيد، فمر على المقابر من ظهر الحيرة ونهرها، فقال له عدي بن زيد: أبيتَ اللَّعْنَ، أَتَدْرِي مَا تَقُولُ هذه المقابر؟ قال: لا، وقال أحمد بن عبيد الله في خبره: فقال له: تقول:
أيها الركب المُخبّو
كما أنتمُ كنا
وكما نحن تكونون
وقال الصولي في خبره: فقال له: تقول:
كنا كما كنتم حيناً فغيرنا
دهر فسوف كما صرنا تصيرونا
تصيرونا
1@أنه مُوْفٍ على قرن زوالِ ... قال: فانصرف وقد دخلته رقة، فمكث بعد ذلك يسيراً، ثم خرج خرجة أخرى، فمر على تلك المقابر ومعه عدي، فقال له: أبيتَ اللَّعْنَ، أَتَدْرِي مَا تَقُولُ هَذِهِ الْمَقَابِرُ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فإنها تقول:
من رآنا فليحدث نفسه
ولما تأتي به صُمّ الجبالِ ... وصروف الدهر لا يبقى لها
يشربون الخمر بالماء الزلالِ ... رُبَّ ركبٍ قد أناخوا عندنا
وجياد الخيل تردي في الجلالِ ... والأباريق عليها فُدُمٌ
آمني دهرهمُ غيرُ عِجالِ ... عمِروا دهراً بعيش حسنٍ
وكذاك الدهر يُوْدِي بالرجالِ ... ثُمَّ أضحَوا عصفَ الدهرُ بِهِمْ
وكذاك الدهر يرمي بالفتى
في طلاب العيش حالاً بعد حالِ
وقال الصولي في خبره ـ وهو الصحيح ـ: فرجع النعمان فتنصر، وقال أحمد بن عبيد الله في خبره عن الزيادي الكلبي: فرجع النعمان من وجهه وقال لعدي: ائتني الليلة إذا هدأت الرِّجل لتعلم حالي، فأتاه فوجده قد لبس المسوح وتنصر وترهب، وخرج سائحاً على وجهه فلا يدرى ما كانت حاله، فتنصر ولده بعده، وبنوا البِيَع والصوامع، وبنت هند بنت النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر الدير الذي بظهر الكوفة، ويقال له: "دير هند"، فلما حبس كسرى النعمان الأصغر أباها ومات في حبسه ترهبت هند ولبست المسوح وأقامت في ديرها مترهبة حتى ماتت ودُفِنت فيه.
قال أبو الفرج: إنما ذكرت الخبر الذي رواه الزيادي على ما فيه من التخليط؛ لأني إذا أتيت بالقصة ذكرت كل ما يروى في معناها، وهو خبر مختلط، لأن عدي بن زيد إنما كان صاحب النعمان بن المنذر ـ وهو المحبوس ـ والنعمان الأكبر لا يعرفه عدي ولا رآه، ولا هو جد النعمان الذي صحبه عدي كما ذكر ابن زياد، وقد ذكرت نسب النعمان آنفاً، ولعل هذا النعمان الذي ذكره عم النعمان بن المنذر الأصغر بن المنذر الأكبر، والمتنصر السائح على وجهه، ليس عدي بن زيد أدخله في النصرانية ... .
وأخرجه أيضاً في (2/96) قال: حدثني أحمد بن عمران المؤدب، قال ثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرو قال: حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال: خرج النعمان بن المنذر إلى الصيد ومعه عدي بن زيد فمروا بشجرة فقال له عدي بن زيد: أيها الملك، أتدري ما تقول هذه الشجرة؟ قال: لا، قال: تَقُولُ:
رُبَّ رَكْبٍ قَدْ أَنَاخُوا عندنا
يشربون الخمر بالماء الزلالِ
عصف الدهر بهم فانقرضوا
وَكَذَاكَ الدَّهْرُ حالاَ بَعْدَ حالِ
قال: ثم جاوز الشجرة فمر بمقبرة فقال له عدي: أيها الملك، أتدري ما تقول هذه المقبرة؟ قال: لا، قال: تقول:
أيها الركب المُخِبو
نَ على الأرض المُجِدّون
فكما أنتم كنا
وكما نحن تكونون
فقال له النعمان: إن الشحرة والمقبرة لا يتكلمان، وقد علمت أنك إنما أردت عظتي، فما السبيل التي تدرك بها النجاة؟ قال: تدع عبادة الأوثان وتعبد الله وتدين بدين المسيح عيسى بن مريم، قال: أفي هذا النجاة؟ قال: نعم، فتنصر يومئذٍ.