نام کتاب : القبور نویسنده : ابن أبي الدنيا جلد : 1 صفحه : 166
215- وحدثني محمد قال قرأت على قبر
هذا عزيزي دعاه رب رحيم ... غافر الذنب بالعباد عليم
قد خلا في التراب فردا وحيدا ... فاغفر اليوم ذنبه يا عليم
وتفضل بعفوك اليوم يا رب ... عليه فأنت رب كريم
216- وحدثني محمد قال قرأت على قبر في بعض الصحاري
عزيز علينا لو أن من فيه يفدى ... أسكنت قرة عيني ومنية النفس لحدا
ما جار خلق علينا ولا القضاء تعدى ... والصبر أزين ثوب به التقي تردى
217- وحدثني محمد قال قرأت على قبر في بعض الجبانين
إن يكن مات صغيرا فلا شيء عن صغير ... كان ريحاني فصار اليوم ريحان القبور
أي أغصان مليحات بديعات بنور ... غرستها في بساتين البلى أيدي الدهور
218- وحدثني محمد ثنا أبو عمر العمري ثنا عبد الله بن صدقة بن مرداس البكري عن أبيه قال نظرت إلى ثلاثة أقبر على -[167]- شرف من الأرض مما يلي بلاد أنطابلس وإذا على أحدها مكتوب
وكيف يلذ العيش من هو عالم ... بأن إله الخلق لا بد سائله
فيأخذ منه ظلمه لعباده ... ويجزيه بالخير الذي هو فاعله
وعلى القبر الثاني إلى جنبها
وكيف يلذ العيش من كان موقنا ... بأن المنايا بغتة ستعاجله
فتسلبه ملكا عظيما وبهجة ... وتسكنه البيت الذي هو أهله
وعلى القبر الثالث إلى جنبها
وكيف يلذ العيش من كان صائرا ... إلى جدث أبلى التراب مناهله
ويذهب وسم الوجه من بعد صونه ... ويبلى منه جسمه ومفاصله
وإذا هي قبور متسنمة على قدر واحد مصطفة بعضها إلى جنب بعض فلما نزلت القرية التي كانت في القرب منها قلت لشيخ جلست إليه لقد رأيت في قريتكم عجبا قال وما رأيت فقصصت -[168]- عليه قصة القبور قال فحدثتهم أعجب ما رأيت على قبورهم قال قلت حدثني قال كانوا ثلاثة إخوة أمير يصحب السلطان ويؤمر على المدائن والجيوش وتاجر موسر مطاع في ناحيته وزاهد قد تخلى لنفسه وتفرد بعبادته قال فحضرت أخاهم هذا العابد الوفاة فاجتمع عنده أخواه وكان الذي يصحب منهم السلطان قد ولي بلادنا هذه أمره عليها عبد الملك بن مروان وكان ظالما غشوما متعسفا فاجتمعا عند أخيهما لما احتضر فقالا له ألا توصي قال لا والله ما لي من مال فأوصي فيه ولا لأحد علي دين فأوصي فيه ولا أخلف من الدنيا شيئا فأسلبه فقال أخوه ذو السلطان أي أخي قل ما بدا لك فهذا مالي بين يديك فأوصي فيه بما أحببت وانفذ فيه ما بدا لك واعهد إلي بما شئت قال فسكت عنه قال فقال أخوه التاجر أي أخي قد عرفت مكسبي وكثرة مالي فلعل في قلبك غصة من الخير لم تبلغها إلا بالإنفاق فيها فهذا مالي بين يديك فاحكم فيه بما أحببت ينفذ لك ذلك أخوك فأقبل عليهما فقال لا حاجة لي في مالكما ولكن أعهد إليكما عهدا فلا تخالفا عهدي قال إذا أنا مت فغسلاني وكفناني وادفناني على نشر من الأرض واكتبا على قبري
وكيف يلذ العيش من هو عالم ... بأن إله الخلق لا بد سائله
فيأخذ منه ظلمه لعباده ... ويجزيه بالخير الذي هو فاعله
فإذا أنتما فعلتما ذلك فأتياني في كل يوم مرة لعلكما أن تتعظا -[169]- ففعلا لما مات قال وكان أخوه يركب في جنوده حتى يقف على القبر فينزل فيقرأ عليه ويبكي فلما كان في اليوم الثالث جاء كما كان يجيء مع الجنود فنزل فبكى كما كان يبكي فلما أراد ن أن ينصرف سمع هذة من داخل القبر كاد أن ينصدع لها قلبه قال فانصرف مذعورا فزعا وجلا فلما كان من الليل رأى أخاه في منامه فقال أي أخي ما الذي سمعت من قبرك قال تلك هذه المقمعة قيل لي رأيت مظلوما فلم تنصره قال فأصبح مهموما فدعى أخاه وخاصته وقال ما الذي أخي أراد بما أوصانا أن يكتب على قبره غيري وأشهدكم أني لا أقيم بين ظهرانيكم أبدا فترك الإمارة ولزم العبادة وكتب إلى عبد الملك في ذلك فكتب أن خلوه وما أراد قال وكان إنما يأوي إلى الجبال والبراري حتى حضرته الوفاة في بعض هذا الجبل وهو مع بعض الرعاة فبلغ أخاه ذلك وأتاه فقال أي أخي ألا توصي قال بما أوصي لا مال لي فأوصي به ولكن أعهد إليك عهدا إذا أنا مت فبوأني قبري فادفعني إلى جانب قبر أخي واكتب على قبري
وكيف يلذ العيش من كان موقنا ... بأن المنايا بغتة ستعاجله
فتسلبه ملكا عظيما وبهجة ... وتسكنه البيت الذي هو أهله
ثم تعاهدني ثلاثا بعد موتي فادع الله لي أن يرحمني قال فمات ففعل به أخوه ذلك -[170]- فلما كان في اليوم الثالث في أثنائه أتاه فدعى له وبكى عنده فلما أراد أن ينصرف سمع وجبة من قبره كادت أن تذهل عقله فرجع مقلقلا فلما كان من الليل إذا بأخيه في منامه قد أتاه فقال ذلك الرجل فلما رأيت أخي وثبت إليه لما كان قد وجل قلبي فقلت أي أخي أتيتنا زائرا قال هيهات أخي بعد المزار فلا مزار واطمأنت بنا الدار قال قلت أي أخي كيف أنت قال بخير ما أجمع التوبة لكل خير قال فقلت وكيف أخي قال ذاك مع الأئمة الأبرار قال قلت فما أمرنا قبلكم قال من قدم شيئا وجده فاغتنم وجدك قبل فقدك قال فأصبح أخوه معتزلا للدنيا قد انخلع منها ففرق ماله وقسم رباعه وأقبل على طاعة الله قال فنشأ له ابن كأهنأ الشباب وجها وجمالا قال فأقبل على المكاسب والتجارة حتى بلغ منها الغاية قال وحضرت أباه الوفاة فقال له ابنه يا أبه ألا توصي فقال يا بني والله ما لأبيك مال فيوصي فيه ولكن أعهد إليك عهدا إذا أنا مت فادفني مع عمومك واكتب على قبري هذين البيتين
-[171]-
وكيف يلذ العيش من هو صائرا ... إلى جدث تبلى التراب مناهله
ويذهب وسم الوجه من بعد صورة ... ويبلى منه جسمه ومفاصله
فإذا أنت فعلت ذلك فتعاهدني بنفسك ثلاثا وادع الله لي ففعل الفتى ذلك فلما كان يوم الثالث سمع من القبر صوتا فاقشعر له جلده وتغير له لونه ورجع منه مهموما إلى أهله فلما كان من الليل أتاه أبوه في منامه فقال أي بني أنت عندنا عن قليل والأمر بآخره والموت أقرب من ذلك فاستعد لسفرك وتأهب لرحيلك وحول جهازك من المنزل الذي أنت عنه ظاعن إلى المنزل الذي أنت فيه مقيم ولا تغتر بما اغتر به البطالون فتلك من طول آمالهم فقصروا عن أمر معادهم فندموا عند الموت أشد الندامة وأسفوا على تضييع العمر أشد الأسف فلا الندامة عند الموت نفعتهم ولا الأسف على التقصير أنقذهم من شر ما وافى به المغبونون مليكهم يوم القيامة أي بني فبادر ثم بادر ثم بادر.. . قال عبد الله بن صدقة قال أبي قال الشيخ الذي حدثني بهذا الحديث فدخلت على هذا الفتى صبيحة ليلة هذه الرؤيا فقصها علينا وقال ما أرى الأمر إلا كما قال -[172]- أبي ولا أرى الموت إلا قد أظلني قال فجعل يفرق ماله ويتصدق ويقضي ما عليه من الدين ويستحل خلطاؤه ومعامليه ويحللهم ويسلم عليهم ويودعهم ويودعونه كهيئة رجل أنذر بأمر فهو يتوقعه وكان يقول قال أبي فبادر ثم بادر ثم بادر فهذه ثلاث ساعات مضت فلست بها أو ثلاثة أيام وأنى إما بها أو ثلاثة أشهر وما أرى أدركها أو ثلاث سنين فهو أكثر من ذلك وما أحب أن يكون ذلك كذلك قال فلم يزل الفتى يعطي ويقسم ويتصدق ثلاثة أيام حتى إذا كان في آخر يوم الثالث من صبح ليلة هذه الرؤيا دعى أهله وولده فودعهم وسلم عليهم ثم استقبل القبلة فمدد نفسه وأغمض عينيه وتشهد شهادة الحق ثم مات رحمه الله فمكث الناس حينا يأتون قبره من الأمصار يصلون عليه.
نام کتاب : القبور نویسنده : ابن أبي الدنيا جلد : 1 صفحه : 166