responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ذم الدنيا نویسنده : ابن أبي الدنيا    جلد : 1  صفحه : 85
166 - وقال بعض الحكماء: يا معشر أبناء الدنيا لكم في الظاهر اسم الغنى، ولأهل التقلل نفس هذا المعنى، حرمتم التفكه بما حوته أيديكم لفادح التعب، وعوضتم منه خوف نزول الفجائع به، وارتقاب وصول الآفات إليه، خدعتم ومالك المقادير عن حظكم، دأبت الدنيا أن تسوغكم حلاوتها، وما استدر لكم من ضرعها حتى وكلتم بطلب سواه لتمتعكم مما حصل منها لكم، وتصدكم عن التمتع به بأشغالكم، بمستأنف تحمدون فيه أنفسكم مما يعز مطلبه عليكم، وتبذلون فيه راحتكم، فإن وصلتم إليه لحق بالأول من المدخر، وأنشأت لكم وطراً في غرة كذلك أنتم وهي ما صحبتموها بالرغبة منكم فيها.

167 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا يحيى بن أبي بكير، أخبرنا عبد الله بن الفضل التميمي، قال: آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن ما في أيديكم أسلاب الهالكين، وسيتركها الباقون كما تركها الماضون، ألا ترون أنكم في كل يوم وليلة تشيعون غادياً أو رائحاً إلى الله وتضعونه في صدع من الأرض، ثم في بطن صدع غير ممهد، ولا موسد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب وأسكن التراب، وواجه الحساب، فقيراً إلى ما قدم أمامه، غنياً عما ترك بعده، أما والله إني لأقول لكم هذا، وما أعرف من أحد من الناس مثل ما أعرف من نفسي.
قال: ثم قال بطرف ثوبه على عينه، فبكى ثم نزل فما خرج حتى أخرج إلى حفرته.

168 - حدثني عمر بن أبي الحارث الهمداني، أخبرنا محبوب بن عبد الله -[86]- النميري، أخبرنا عبيد الله بن أبي المغيرة القرشي، قال: كتب إلي الفضل بن عيسى: أما بعد فإن الدار التي أصبحنا فيها دار بالبلاء محفوفة، وبالفناء موصوفة، كل ما فيها إلى زوال ونفاد، بينما أهلها في رخاء وسرور، إذا صيرتم في وعثاء ووعور، أحوالها مختلفة، وطبقاتها منصرفة، يضربون ببلائها، ويمتحنون برخائها، العيش فيها مذموم، والسرور فيها لا يدوم، وكيف يدوم عيش تغيره الآفات، وتنويه الفجيعات، وتفجع فيه الرزايا، وتسوق أهله المنايا، إنما هم بها أغراض مستهدفة، والحتوف لها مستشرفة، ترميهم بسهامها، وتغشاهم بحمامها، لا بد من الورود بمشارعه، والمعاينة لفظائعه، أمر قد سبق من الله في قضائه، وعزم عليه في إمضائه، فليس منه مذهب، ولا عنه مهرب، ألا فأخبث بدار يقلص ظلها ويفنى أهلها، إنما هم بها سفر نازلون، وأهل ظعن شاخصون، كأن قد انقلبت بهم الحال، وتنادوا بالارتحال، فأصبحت منهم قفاراً، قد انهارت دعائمها، وتنكرت معالمها، واستبدلوا بها القبور الموحشة، التي استبطنت بالخارب، وأسست بالتراب، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب، بين أهلها موحشين، وذوي محلة متشاسعين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون بتواصل الإخوان، ولا يتزاورون تزاور الجيران، قد اقتربوا في المنازل، وتشاغلوا عن التواصل، فلم أر مثلهم جيران محلة، لا يتزاورون على ما بينهم من الجوار، وتقارب الديار، وأنى ذلك منهم، وقد طحنهم بكلكله البلى، وأكلتهم الجنادل والثرى، وصاروا بعد الحياة رفاتاً، قد فجع بهم الأحباب، وارتهنوا فليس لهم إياب، وكأن قد صرنا إلى ما إليه صاروا، فمرتهن في ذلك المضجع، ويضمنا ذلك المستودع، نؤخذ بالقهر والاعتسار، وليس ينفع منه شفق الحذار، والسلام.
قال: قلت له: فأي شيء كتبت إليه؟ قال: لم أقدر له على الجواب.

نام کتاب : ذم الدنيا نویسنده : ابن أبي الدنيا    جلد : 1  صفحه : 85
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست