جماعتها، لا تربطه بهم صلة، ولا تجمعهم به جامعة، وتجلس في ركوب [1] عام قطار أو سفينة أو ترام أو سيارة، أو في مجلس من المجالس فترى نفسك منجذبة إلى بعض الحاضرين. نافرة من آخرين. وربما لم يكن قبل هذا اجتماع ولا تعارف، ولا تعاد وتخاصم فما سر هذا التالف والتحابب، وما علة هذا الاختلاف والتنافر؟ ذلك ما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث فهو يقول: «إن أرواح العباد ونفوسهم جنود مجتمعة وجيوش مجيشة فالتي بينها تعارف وتشاكل، وتوافق وتناسب، يألف بعضها بعضا، ويسر باجتماعه، ويفرح للقائه. لاتفاق في المبدأ، وتقارب في الروح» .
روى أبو يعلى في مسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: كانت امرأة بمكة مزاحة، فنزلت على امرأة مثلها في المدينة، فبلغ ذلك عائشة فقالت: صدق حبي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأرواح جنود مجندة» ... إلخ.
أما التي بينها تناكر وتباين وتباعد وتغاير فإنها تختلف، وينفر بعضها من بعض، ولا يود لقاءه، فالأخيار الأبرار، الأمجاد الأطهار إذا وجدوا في مجتمع جذبهم أشباههم، أو انجذبوا إليهم، وسرى بينهم تيار من المحبة جمع قلوبهم، ووثق فيها روابط الصلة، وعرى الإخاء والمودة اما من لا يشاكلهم فتنفر منه قلوبهم. وكذلك الأشرار الفجار إذا حلوا بناد بادر إليهم أضرابهم. وجذبهم قرناؤهم، ونفروا ممن لا يتخلق بخلقهم ولا يسير في سبيلهم.
فإذا عرفت رجالا بالبر والإستقامة. ونفرت منهم نفسك ونبا عنهم قلبك.
فاعلم أن فيك عيبا ونقصا، وأنت دونهم في الطهارة فداو نفسك من عيوبها، وطهرها من أوزارها حتى تتقارب الأرواح، وتتشاكل النفوس، فتحل الألفة محل النفرة. وإذا رأيتك ميالا من تعرفهم بالشر والفسق والخلاعة [2] والعهر [3] ، فاعلم أنك من طبقتهم، ونسبك من شجرتهم. فإذا كانت نفسك تحدثك بأنك البرّ الأمين، أو الصوفي العظيم، أو التقي المخلص، أو الإنسان المهذب فكذب نفسك في حديثها.
واعتقد أنك غر [4] مخدوع، وأبله مفتون، ففتش في زوايا قلبك تجد للباطل ركنا، [1] الرّكوب: ما يركب. [2] الخلاعة: خلع عذاره: ترك الحياء وركب هواه. [3] العهر: الفجور. [4] غرّ الرجل: جهل الأمور وغفل عنها.