الشرح:
قال الله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [1] ، فنهى تعالى عن طاعة الهماز الطعان، العياب المغتاب، الذي يمشي بين الناس بالوشاية والإفساد، لأنه باعث الفتن، وزارع الإحن، ومقطع الصلات، ومفرق الجماعات، يجعل الصديقين عدوين، والأخوين أجنبيين، والزوجين متنافرين، والولد حربا لأبيه، والأب ضد لبنيه، فهو غراب بين، ونذير شر، وحمال حطب، ومشعل لهب. فكانت طاعته حراما. ونهيه لزاما. فإياك أن تأخذ قوله مسلما. وترتب عليه عداء وتخاصما؛ فإنه فاسق. وقد أمرنا الله تعالى بالتثبت في خبره والتحري عن صدقه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ [2] ، بل إن كنت مؤمنا كريما فلا تشغل نفسك بحديث الأنمّاء، ولا تضيع من وقتك في تسمع أخبار السفهاء. وظن الخير بإخوانك وأقربائك واتهم النمام الجهول؛ بل قبح له عمله وبغض إليه نمّه وقل له لا تفسد بيني وبين إخواني، ولا تبغض إلى أعواني، وخير لك أن تذكر ما يزيد الصلة متانة. وعرا الإخاء وثاقة، وإن من ينقل عن غيرك إليك أحاديث السوء، ينقل عنك إلى غيرك. فلا تجعله موضعا لثقتك، واجعل وشايته دبر أذنك.
واعلم أن نقل الأنباء قد تكون فيه مصلحة شرعية، ومنفعة عمومية. كمن ينقل إلى شخص مكيدة [3] يدبرها له الخصوم من قتل أو سرقة؛ وكمن يعرّف الأئمة والملوك سيرة الحكام الظالمين، والموظفين الخائنين، فهذا لا حرج فيه بل ذلك واجب، حقنا للدماء [4] ، والأموال، ونصحا للرعية والولاة. والدّين النصيحة.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجنة لا يدخلها قتات، لأنها دار المتقين، وهذا من المجرمين، ما لم يكن له من الحسنات ما يمحو أثر السيئات، أو الغرض من العبارة التحذير من القت، والتنبيه إلى خطر النم؛ أو المراد: لا يدخلها أول الأمر. حتى يطهّر بالنار من خبث الوزر؛ ثم يدخلها طاهرا طيبا. [1] سورة القلم، الآيتان: 10، 11. [2] سورة الحجرات، الآية: 6. [3] مكيدة: خديعة. [4] حقنا للدماء: حقن دم فلان: منعه أن يسفك.