والمجاهرة بمعنى واحد. والمجانة: الإستهتار وعدم المبالاة بما يقول أو يقال له.
وبما يفعل. يقال: مجن يمجن مجونا ومجانة ومجنا. وفي رواية، المجاهرة بدل المجانة. وفي ثانية: الإجهار. وفي ثالثة: الجهار وفي رابعة: الإهجار. يقال: أهجر في منطقه يهجر إهجار إذا أفحش أو أكثر الكلام فيما لا ينبغي. والإسم الهجر، والبارحة: أقرب ليلة مضت من وقت القول. وهي من برح بمعنى زال. والستر:
الستارة أي ما يستر به.
الشرح:
المعاصي حمى الله، محرم علينا غشيانها [1] ، بل أن نرتع [2] حولها.
لتسلم أجسام لنا وعقول، وأعراض ونفوس. والغشيان محظور ليلا ونهارا، سرا وجهارا وإن كان الأثر مختلفا، والعقاب متفاوتا. ذلك أن المستترين في عصيانهم؛ المختفين في فسقهم، عندهم بقية من الحياء، إن لم يكن من الله فإنه من الناس. فلا زال لديهم ضمير يؤنبهم، وواعظ نفسي ينصحهم، وإن كان مغلوبا على أمره، ومقهورا للشيطان، ولذلك استحوا من الإعلان، واختفوا عن الأنظار، وإن كان الله بما يعملون محيطا. هذا إلى أنهم بأسرارهم، لم يلفتوا غيرهم إلى جرمهم، ولم يحرضوا النفوس الغافلة بعملهم على الاقتداء بهم في فسقهم. وإلى ذلك أن العفو عنهم من مأمول إذا تابوا وأنابوا، وأصلحوا ما أفسدوا وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى [3] ، لأن الضرر لم ينتشر، والأثر لم يكثر، والذنب عنهم لم يعرف. أما المعلنون لفسقهم، المجاهرون بعصيانهم، المستهترون بدينهم؛ الذين يشربون الخمر على قارعة الطريق، ويرتادون الفاحشة جهارا ويتعاملون بالربا علنا، ويلعبون الميسر في النوادي. ويتجاهرون بترك الصلاة ومنع الزكاة. ويغشون [4] المطاعم والمقاهي في رمضان على مرأى من الناس ومنظر؛ ويأخذون الرشا أمام العيون- أما أولئك فليسوا بمعافين، وليسوا من الأذى بسالمين، ولا من الشر آمنين، ولا من العفو نائلين. وكيف؛ وإعلانهم يدل على تمكن الشر من نفوسهم، وامتزاجه بلحومهم ودمائهم، وأنهم فقدوا خلق الحياء، ومات عندهم الوازع [5] . فأولئك [1] غشيانها: إتيانها. [2] نرتع: المراد لا نرتكبها ولا نحوم حولها. [3] سورة طه، الآية: 82. [4] يغشون: يدخلون. [5] الوازع: الضمير الزاجر والناهي والمعاتب.