وترتيب الأمور، وسيرها السير الحميد، وإنه ليعلي صاحبه عند الناس جميعا فيجعله موضع ثقتهم، مرغوب الحديث عندهم، محبوبا إليهم، محترم الكلمة عند حكامهم، مقبول الشهادة عند قضاتهم، لهذا أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم كما أمرنا القرآن في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [1] ، وأشاد بمكانته في حديثه عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب إذ يقول: وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [2] ، ومدح به إسماعيل في قوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا [3] ، وإدريس في قوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا. وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [4] .
والصدق يكون في القول وفي العقيدة، وفي العمل. فالصدق في القول أن يكون مطابقا لضميره، أو وفق الحقيقة، أو وفقهما معا، وهذا يدعوك إلى التثبت في الحديث، والتحري قبله. وألا تقول بغير علم فإذا حدّثت عن الماضي فقل الحق.
وإذا حدّثت بما نويته فاجعل حديثك طبق نيتك. وإذا وعدت فاجعل نية الوفاء قرينة العزم. ولا تستفهم عن أمر وأنت به عليم لتغرر بالسامعين لحاجة في نفسك ولا تطلب من خادمك طلبا وقد أشرت إليه بعدم الإجابة؛ أو نبهته إلى ذلك من قبل.
والصدق في العقيدة أن تكون طبق الأصل في الوجود. ففي الوجود إله واحد فعّال؛ يحكم ما يريد؛ ويبدىء ويعيد؛ فلا تعتقد له في ذلك ندا [5] وشريكا وفي الوجود محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتقد رسالته، وفي الوجود ظلم أمة أو عدالتها فاعتقد ما شهد به الوجود؛ وهكذا. والصدق في العقيدة يستدعي أولا بحثها؛ وطلب الدليل عليها من الحسيات أو العقليات، ونفي الشبهات عنها. والصدق في الفعل أن يكون مظهره في الخارج طبق صورته في النفس، فيكون خالصا لله؛ تبغي به المصلحة؛ لا يشوبه نفاق ولا رياء، ولا تريد الوصول به إلى غرض دنيء، كالذي يزور عظيما؛ مظهرا تودّده إليه، ومحبته له، وهو يريد من وراء ذلك منفعة شخصية. وكالذي يجاهد مداراة ومجاراة؛ أو طمعا في مركز أو جاه. فكل ما تقدم يشمله عنوان [1] سورة التوبة، الآية: 119. [2] سورة مريم، الآية: 50. [3] سورة مريم، الآية: 54. [4] سورة مريم، الآيتان: 56، 57. [5] نّدا: الند: المثل والنظير.