نرى في هذا العالم شرارا لئاما، وفسقة فجارا، يعتدون على الحرمات، فيسفكون الدماء، ويسلبون الأموال، ويهتكون الأعراض لا يقدسون حقا، ولا يحترمون رأيا، تقرع آذانهم قوارع الناصحين، وعظات المخلصين، وكأن لم تكن قارعة، وكأن لم يسمعوا عظة. في سبيل المحافظة على جاههم، وبقاء سلطانهم يجترحون [1] كل فاحشة، ويقترفون كل مظلمة، وتخنق الحريات وتصدع الجماعات، ثم يعجب صوافي النفوس، وطهرة القلوب: كيف لا ترعوي هذه عن غيها؟ أليس لها قلب؟ أليس فيها عاطفة؟ أليس فيها من الإنسانية بقية؟ ولو سمعوا هذه الكلمة الخالدة. وفقهوا هذه الحكمة البالغة لعرفوا السبب، وبطل العجب. ذلك أنهم فقدوا خلق الحياء، فصنعوا ما شاؤا. واقترفوا ما أرادوا وإن كان في ذلك هلاك العباد وخراب البلاد وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [2] .
63- باب: حذر المؤمن
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين» . [رواه الشيخان وأبو داود وابن ماجه [3] ] .
اللغة:
اللدغ: ما يكون من ذوات السموم. واللدغ: ما يكون من النار.
الشرح:
سبب الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر، فذكر له فقره وعياله، فمنّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء، وعاهده ألا يحرض عليه ولا يهجوه، فلحق بقومه، ثم رجع إلى التحريض والهجاء ثم أسر يوم أحد، فسأله المن. فقال:
لا. تمسح عارضيك بمكة تقول: «سخرت بمحمد مرتين» ؟ وأمر به فقتل وقال: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» . [1] يجترحون: يرتكبون. [2] سورة الرعد، الآية: 33. [3] رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين (6133) . ورواه مسلم في كتاب: الزهد والرقائق، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين (7423) . ورواه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: في الحذر من الناس (4862) . ورواه ابن ماجه في كتاب: الفتن، باب: العزلة (3982) .