ويعملوا به كما عمل، فهذا منهم رجاء مشروع، وتمن محمود، جدير بالمسابقة إليه، والتنافس فيه.
والخلة الثانية: [الاعتدال في إنفاق المال]
الخليقة بالرغبة، الحرية [1] بالغبطة خلة رجل وهبه الله مالا، فلم يكن فيه قتورا بخيلا، ولا مبذرا سفيها، يبدده بين الكأس والطاس، وينثره تحت اقدام المائلات المميلات الفاتنات الراقصات، ويرمي بيده على مناضد الميسر، ويهلكه في ولائم الرياء والشهرة، ولكن في سبيل الله ينفقه. وفي إقامة الحق يهلكه، وفي سبيل العزة لقومه، والاستقلال لبلده ينثره، يهذّب به نفسه ويرقى، ويعلم أولاده ويثقف، يصل به أقرباءه، ويواسي أصحابه، يفتح به المدارس، وينشىء المصحات والملاجىء، ويقيم المصانع، ويؤلف به الشركات النافعة، وينهض بالمشروعات المثمرة، ويعطف به على الأرامل والأيتام، والمساكين والفقراء يساعد به الغارمين، ويقضي به على الظالمين وينصر المظلومين، يفك به العانين [2] ، ويحرر المستعبدين.
فيده في إنفاقه مطلقة، ولا لآفة مهلكة؛ ولكن في سبيل الله؛ لا في سبيل الشيطان، وفي سبيل الحق والشرف. لا في سبيل الترف والسرف.
فمن تمنى مثل هذا المال، ورجا الله أن يوفقه لمثل هذه الأعمال: كان ذا الخلة المحمودة. والغبطة المشكورة.
تانك هما الخلتان الخليقتان بالتمني، وإنهما لأس الفضائل. وجماع المكارم ثروة في العلم وثروة في المال. وقفهما على الخير؛ وجدّ بهما في النفع، فأي فضل بعد هذا في ذلك فليتنافس المتنافسون. ولمثل هذا فليعمل العاملون.
77- باب: النصح للرعية وعقاب المقصرين فيه
عن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم يحطها بنصحه إلّا لم يجد رائحة الجنّة» ، وفي لفظ آخر عنه: «ما من وال يلي رعيّة من المسلمين، فيموت وهو غاش لهم إلّا [1] الحرية: الجديرة. [2] العانين: المأسورين والذليلين.