المرء بسياج من العصمة، ويقيه نزعات الشيطان. ويباعد بينه وبين المعاصي إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [1] .
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث صيغة من صيغ الذكر لا مشقة في حفظها ولا صعوبة في استيعابها، وهي مع ذلك عظيمة الأثر كبيرة الجدوى [2] ، تغدق على المؤمن من فيض الله الخير الكثير، والأجر الوفير، تثقل من الطيبات حسناته، وتمحو من أوزاره وسيئاته، ولئن كانت سائر التكاليف شاقة على النفس. فإن الذكر بها هين سهل لا يستعدي قوة ولا استعدادا وإنما يوجب إخلاصا وتفريغا للنفس من شواغل الدنيا وهواجس [3] القلب.
وليس بكثير على الله الذي وسعت رحمته كل شيء أن يجزل الثواب العظيم على العمل القليل. لما في هذه الصيغة من تنزيه الله عن الشريك والنظير، وتحميده على سوابغ النعم وجزيل الفضل. وتعظيمه بما هو أهله.
وأنت خبير أن هذه الفضائل إنما هي لمن أخلصوا في دعائهم. وكملوا في إيمانهم، وتجنبوا المعاصي والحرام، ونأوا عما يغضب الله من الآثام. ولا تظن أن من أدمن [4] الذكر. وأصرّ على ما شاء من شهواته وانتهك حمى الله يلتحق بالمقدسين الطاهرين ويبلغ منازلهم بكلمات يجريها على لسانه. لا يتجاوز أثرها فمه.
يرشدك هذا الحديث إلى أن للأعمال والأقوال ثقلا وخفة يثقل منها ما كان خالصا لله ويخفّ ما شابه الرياء والغافلة. ولم يكن في حضور القلب وانتباهه. وإن الأعمال صور ماثلة وأرواحها وجود الإخلاص فيها ولقد قال الله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [5] ، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» [6] . [1] سورة العنكبوت، الآية: 45. [2] الجدوى: العطية. [3] هواجس: ج الهاجس: الخاطر. [4] أدمن: دوام عليه. [5] سورة البقرة، الآية: 152. [6] رواه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: فضل التسبيح (6405) . ورواه مسلم في كتاب: الدعوات، الذكر والدعاء، باب: فضل التهليل والتسبيح والدعاء-