فالعاقل حقيقة من قهر نفسه وأخضعها لحكمة عقله وشريعة ربه فهو يحاسبها على كل ما تأتي وما تذر. فإن خيرا ازداد منه وحمد الله وإن كان شرا أناب إليه وعاد على نفسه بالقهر والإذلال حتى تسلك الإمام [1] المبين ولا تحيد عنه يمنة أو يسرة.
وسلوكه بالقيام بالواجب عليه لربه ونفسه وأهله وقومه فذلك ما ينفع لما بعد الموت من بعث وحشر وحساب ونعيم، وعقاب، والحازم من يستعد لهذه الرحلة الطويلة ولذلك اليوم المشهود ولتلك الدار الباقية بنفس يطهرها وخلق طيب يتجمل به وعمل صالح يقدمه يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [2] ، ذلك الكيس الحاذق [3] .
أما العاجز المقصّر في الواجب فهو ذلك الذي يأتم بهواه فنفسه أسيرة شهواته كلما أهابت به [4] لاقتراف فاحشة لبّى نداءها وكلما أخذت به عن سنن الحق سار وراءها غير مبال بما هو صائر إليه وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [5] ، أما عقله ودينه فمقهوران لشهوته، فهي صاحبة الأمر تصرفه كما تريد فبحق ذلك هو الأحمق وإنه ليزيده حمقا تمنيه على الله الأماني الكاذبة فهو يعلل نفسه بعفو الله ومغفرته وسعة رحمته أو باستدراك ما فاته آخر حياته ولم يدر هذا العاجز أن رحمة الله كتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين يؤمنون بايات الله ويتبعون الرسول النبي الأمي. لم يدر هذا العاجز أن الموت غائب لا يدري متى يقدم وأنه قد يباغت [6] الناس في ريعان الشباب حيث البنية سليمة والقوة موفورة، فالعاقل يجعل هواه خاضعا لعقله ومن وراء إذن ربه وفي الحديث «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» .
والعاقل لا يتمنى من المكافات إلا ما يتناسب مع عمله الذي قدمه إن كان له عمل والجنة ثمنها الإيمان والعمل الصالح وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ [1] الإمام: الطريق المستقيم. [2] سورة الشعراء، الآيتان: 88، 89. [3] الحاذق: الماهر في عمله. [4] أهابت به: دعته. [5] سورة القصص، الآية: 50. [6] يباغت: يفاجىء.