قادرا على أمور الزواج من النفقة وما يتبعها، وكان به توقان [1] إلى النساء حتى لا تزل به القدم في مهواة المعاصي وحمأة الشرور فإن للشباب فتوة [2] ونزوة تدفع الشاب إلى إطاعة شهوته وتقهره على إرضائها بدون أن يبالي سوء مغبة أو حسنها، وكم جر ذلك من ويلات وأعقب من أدواء استفحل فيما بعد شرها، وعم ضررها وأصبحت ملافاتها عسيرة وتدارك أخطارها في غير الوسع والطاقة، وكم من شاب أغرته شهوته واستبعدته لذته فاتى نفسه من المعاصي حظها وأروى من الموبقات [3] غلتها فكان عاقبة ذلك أن افتقر بعد يسر ومال عريض، وضعف بعد قوة وصحة شاملة، وانتابته الأمراض والعلل فصار حليف الهم والسهاد، ينام على مثل شوك القتاد [4] ، قد أقض مضجعه، وذبلت نضرته وتنكرت له الحياة بعد إقبالها، وكشرت له الأيام بعد ابتسامها، وكلبه الزمان [5] وقد كان له مواتيا [6] مطيعا، ونفر منه الأصدقاء، وكان قرة أعينهم وموضع الغبطة والسرور منهم.
ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حكمة المبادرة إلى الزواج بعد القدرة والاستطاعة بأنها تحصن الفرج عن الوقوع في المحرمات وملابسة ما يغضب الله ويزري بالشرف»
والكرامة، وتدعو إلى العفة وغض البصر عما لا يجعل من محارم الله، أضف إلى ذلك أن المبادرة إلى الزواج تمكن المرء إذا رزق أولادا من تربيتهم والقيام بشؤونهم وإعدادهم لمستقبل حياتهم وجعلهم رجالا صالحين ينفعون أنفسهم وأمتهم، ويجعل منهم عمادا لها وقوة، يرهب بهم جانبها، وتقوى شوكتها وتحفظ هيبتها وكرامتها، ويدفع من يريد إذلالها واستعبادها. وأما إذا أبطأ في الزواج حتى تقدّم به العمر فقد لا يستطيع تربية أولاده لضعف قوته وعجزه عن تحصيل ما به حياتهم وتوفير أسباب السعادة لهم، وربما أدركه الأجل فيتركهم كزغب القطا [8] مهيضي [1] توقان: اشتياق. [2] فتوة: الفتوّة: الشباب بين طوري المراهقة والرجولة. [3] الموبقات: المهلكات. [4] القتاد: نبات صلب له شوك كالإبر. [5] كلبه الزمان: وثب عليه. [6] مواتيا: مطاوعا.
(7) يزري: يعايب ويعتب. [8] كزغب القطا: أي يتركهم صغارا ضعافا.