إلى مزالق الأقدام ومطارح الهلكة فيجنبه إياها، ويهديه السبيل الأقوم ويأخذ بيده إلى حيث السلامة والنجاة، فيكون الناصح الأمين، والصادق الوفي وإن أصابه في ذلك مكروه احتمله. وفريق يزين له كل ما صدر منه، ويموه أمام عينيه حقائق الأشياء فتبدو على صورة مستعارة، ويجعل كل ما يعمله أو يقوله كأنه إلهام أو وحي متلو لا يتطرق إليه الخطأ من ناحية من نواحيه.
كما يهون له ما يكون من خطل في رأيه، أو فساد إدارة حكمه، ويخفي الضرر الذي تبدو أعلامه في سبيله فلا يلبث حتى يرتطم في سوء عمله، وتشتبه عليه مصادره وموارده، ويرتبك [1] في سيئات ما صنع، فلا هو بمستطيع أن يتقدم فيزداد سوآ. ولا أن يتأخر إذا ضلت به السبل. ضم إلى ذلك تخلي الأوفياء المخلصين عنه، وانقضاضهم من حوله، فيعيا عليه الأمر ويعز [2] الهدى والسداد.
والشواهد على ذلك كثيرة في كل عصر وأمة، وما أخذ المسلمون من جميع نواحيهم إلا بتقريبهم بطانة الشر ورجال السوء وتوليتهم شئونهم غير الأمناء الصادقين، وتشريدهم أولي الرأي والحزم، وإقصائهم»
الصالحين الأكفاء، وتصديقهم ما يوسوس به إليهم شياطين الإنس، من زخرف القول والغرور، حتى ظنوا في السراب، شرابا، وفي الجديب [4] نضرة وريّا، فهلكوا وأهلكوا من تبعهم وتخطفتهم الأمم من كل جانب، وسامهم كل مفلس. وتكلم عنهم من لا يحسن لهم قولا، ولا يرعي لهم مصلحة ولا كرامة، وقديما كانت بطانة السوء وبالا على الأمراء والخلفاء والأمم، ونكالا [5] على الصالحين أولي القدرة على كفاء الأمور وتصريف الشؤون.
أجل: إنه ينبغي للحاكم أن يتخذ له من يكشف أحوال الناس في السر.
ولكن يجب ألايعتمد إلا من كان مأمونا ثقة فطنا [6] عاقلا، وأن يكون هو [1] يرتبك: ارتبك الأمر: اختلط عليه ووقع فيه ولم يكد يتخلص منه. [2] يعزّ: يشتد ويشق.
(3) إقصائهم: إبعادهم. [4] الجديب: جدب المكان جدبا: يبس لاحتباس الماء عنه. [5] نكالا: الجزاء والعقاب. [6] فطنا: فطن الأمر: تبيّنه وعلمه.