الوقوع في المعاصي أقرب، وقد جاء في الرواية الثانية أن من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه أي من حذرها طلب البراءة والسلامة لدينه بالتحرز من المعصية، وتحامى [1] المنطقة التي دونها، وكذلك طلب البراءة لعرضه، فلا يتهمه الناس بمقارفة [2] المعاصي وانتهاك الحرمات، وكيف؟ ولم يقارب الشبهات، فأنى يتهم بالمحرمات؟.
وفي الرواية الثانية: أن في الجسد مضغة صلاحها صلاح للجسد كله، وفسادها فساد له، تلك المضغة هي القلب موزع الدم في عروق الجسم، ومصلحه بعد فساده والمراد به هنا العقل الذي لا يعمل إلا بحرارة الحياة المنبعثة من الدورة الدموية، ولا ريب في أن صلاح العقل، واستقامته في الإدراك والتفكير، ووزنه الأشياء بميزان الحقيقة، وتحريه [3] الإنصاف في أحكامه يترتب عليه صلاح الأعضاء كلها، فلا تصدر إلا خيرا، ولا تعمل إلا صالحا، ولا تقول إلا حسنا، لأنه الحاكم عليها، والرئيس بينها، وإذا صلح الرئيس صلحت الرعية.
أما إذا فسد العقل، واختل نظام التفكير، وغلبه على ملكه باعث الشهوة، وسلطان الهوى فسد سائر الأعضاء فلا يصدر غير الشر، إذ حكمة العقل مفقودة، وحركته مشلولة، وهل إذا أصيب القلب تسلم الحياة، ويصح الجسد؟ كلا. كذلك العقل في مرضه مرض القوى كلها، فربوا العقول، وعودوها التفكير المستقيم، والحكم الصحيح، وحذار أن تهملوها، ولا تغذوها بالنظر والبحث، فتفقدوا الانتفاع بقوى الجسم التي تستطيعون بها أن تسخروا العالم كله لخدمتكم.
فالحديث يحذرنا من الشبهات، والوقوف في مواقف الرّيب [4] ، ويدعونا إلى الاحتراس وبعد النظر؛ ويحضنا على تخليص الدّين من الشوائب. وإبعاد العرض من المثالب [5] ؛ بتجنب أسبابها، ويدعونا إلى تنمية العقل؛ وترقية التفكير لتكون الأعمال منظمة؛ طيبة العاقبة. [1] تحامى: اجتنب وابتعد. [2] المقارفة: الارتكاب والفعل. [3] تحريه، تحرّى: توخّى وقصد. [4] الرّيب: ج ريبة: وهي التهمة. [5] المثالب: ج مثلبة: العيب.