وقال صاحب المختار: المليء الثقة ويقال: الملي بلا همز تسهيلا. والإضافة في مطل الغني من إضافة المصدر لفاعله. وقيل من إضافته لمفعوله وهو بعيد.
الشرح:
مما يحقق الثقة بالمرء أداؤه لحقوق الناس ولو لم يكن من كبار المثرين. ومما يزلزل الثقة أو يزيلها تلكؤه في أداء الحقوق ولو كان في مقدمة الأغنياء الموسرين.
والثقة رأس مال كبير تسهّل للمرء طرق أبواب التجارة وإن كان ماله قلا [1] .
وتقرّب إليه جيوب الناس وخزائنهم وإن لم يكن مليا. فلا جرم حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم مما ينزع الثقة بالمرء من نفوس الناس وهو المماطلة. ولقد عرّف علماء الأخلاق العدل بأنه إعطاء كل ذي حق حقه. ولما كانت مماطلة الغني القادر على الدفع وتأخره في أداء الحقوق منعا للحق عن صاحبه عدها الرسول صلى الله عليه وسلم ظلما فالمماطل ظلم غيره بتأخير حقه بدون عذر. بل ظلم نفسه إذ حرمها الثقة، وعرضها للطعن والثلب في الحياة الدنيا، ولعقوبة الله في الحياة الآخرى. فمن كان مدينا في تجارة، أو في متاع اشتراه، أو كان قبله حقوق لرعيته أو لمن تحت يده إن كان ملكا أو أميرا أو رئيسا أو وزيرا أو كان عليه نفقة لزوجه، أو والده أو ولده، أو قريبه أو عبده، أو كان عليه زكاة أو ضريبة مشروعة، وحل موعد الدفع وتلكأ [2] والمال في جيبه أو تحت يده- كان ظالما- بل قال بعض الفقهاء: لو أمكنه الاكتساب لسداد الدّين فتركه كان ظالما فاسقا. فالواجب على المستطيع بأي طريق كان أداء الحق متى حل أجله. ولو لم يطالبه به أهله. بل لو أمكنه الدفع قبل الموعد بادر إليه تبرئة لذمته. ورحمة لنفسه من ذل الدّين وهمه. وربما عسر عليه غدا ما تيسر له الساعة. والمال غاد ورائح. أما إن كان عاجزا عن الأداء فليس بظالم. بل لا يعد مماطلا. والواجب على الدائن في هذه الحال- إن كان له دين- وفي قلبه رحمه.
أحد أمرين: إما مهلة وإما صدقة وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [3] . [1] قلا: قليلا. [2] تلكأ: أبطأ. [3] سورة البقرة، الآية: 280.