والثلث كثير» . إن الأولى النقصان عنه. ولا يزاد عليه، ذلك ما يتبادر إلى الفهم من هذه العبارة.
ويجوز أن يكون معناها: الثلث كثير في الأجر فهو الأكمل. ثم ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الحكمة في ترك الوصية بالكثير إلى الوصية بالقليل وهي أن ترك الورثة أغنياء. بما يرثونه عن الآباء. خير من تركهم فقراء يمدّون أكفهم إلى الناس استجداء [1] . ليضعوا في أيديهم من صدقاتهم ما يدفعون به الجوع. ويزيلون به مضض الحاجة [2] .
ثم بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم له أن كل نفقة ينفقها على زوجه أو ولده. أو أقاربه أو خدمة صدقة وله ثوابها. ما دام يبتغي بها وجه الله ويقصد وقاية هذه النفوس من ذلة المسألة. وكرب الحاجة أو يقصد كف أيديهم عن الحرام. وتوفيرها على العمل في سبيل الله. فكل ما أنفق صدقة. ولو كان قليلا. حتى اللقمة يرفعها إلى فم امرأته- إذا كانت مريضة مثلا. أو كان يداعبها بذلك. أو الغرض من رفعها إعدادها للأكل- وأما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لسعد ليبين له أن إنفاق المال على الأهل والأقرباء طريق إلى تكثير الأجر، فإن استقل أجر الوصية بالثلث أو بما دونه فليستكثره بالإنفاق.
والأقربون أولى بالمعروف. فإن امتدت به الحياة فليسلك هذا الطريق ثم رجا له الرسول ربه أن يرفعه من مرضه. ويطيل عمره. ويعلي من شأنه. حتى ينتفع به أناس.
ويضرّ به آخرون، وقد حقق الله رجاءه لسعد. فبرىء [3] من مرضه وأطال في عمره.
حتى عزّ به الإسلام. وذلّ به خصومه كما ترى بعد، ولم يكن لسعد ساعة مرضه إلا ابنة واحدة وقد وهب الله له من الذرية بعد برئه بضعه عشر ابنا، أربعة ذكور واثنتا عشر بنتا.
والحديث يدل على جواز الوصية بالثلث، وعلى أن الأولى أن ينقص عنه واستدل به على منع الوصية بأزيد من الثلث.
قال في الفتح: وقد استقر الإجماع على ذلك لكن اختلف فيمن ليس له وارث [1] استجداء، سجد: خضع وتطامن. [2] مضض: المضض: التألم. مضض الحاجة: شدة آلامها. [3] برىء: شفي وتخلص مما به.