التجويد، وفي حديث قصة بير معونة وغزوة يمامة استعمل لفظ القراء على ما قلت من عرف الحديث، وأورد ابن الهمام على صاحب الهداية إيرادين أحدهما: أنه لو كان إقراء السلف أعلم أيضاً كما قلت، يلزم تقديم من كان حافظاً لزيادة مقدار القرآن، ويعلم علم الكتاب، ولا يعلم الفقه إلا القدر الضروري على من هو متبحر في الفقه، وعالم قدر القرآن الضروري، والحال أنه خلاف تصريحات الفقهاء، أقول: إن إيراد الشيخ مندفع بالنظر إلى أحوال الصحابة، والإيراد الثاني على صاحب الهداية: إن قوله خلاف نص الحديث فإن نص الحديث بالفرق بين الأعلم والأقرأ، ويلزم التساوي بينهما على ما قلت، أقول: إن إيراد الشيخ مندفع فإنه مناقشة لفظية، فإنه مع التساوي في القراءة يكون أحدهم أعلم بالسنة ولم يدَّعِ صاحب الهداية انحصار العلم في الأقرأ، فإن السلف كانوا يتعلمون القرآن ومسائل الحديث أيضاً واستدل ابن الهمام على المسألة من تلقائه، وكنت متردداً فيه حتى أن وجدت إليه إيماء البخاري، والاستدلال بأنه عليه الصلاة والسلام أخبر «أقرؤكم أبي بن كعب» ومع ذلك جعل الصدِّيق الأكبر إماماً لكونه أعلمهم، لما روي عن أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام خطب يوماً وقال: «إن الله خير عبداً بين الدنيا والآخرة فاختار العبد الآخرة» فبكى أبو بكر الصديق فتعجبنا من بكائه، ثم علمنا أن ذلك العبد هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعلمنا أن أعلمنا أبو بكر الصديق، وأشار البخاري إلى هذا، ثم إن قيل: كيف اعتبر الفقهاء الحسن أيضاً مرجح التقديم للإمامة؟ نقول: إن الشريعة بوَّب على أن يُقدَّم ذو وقار والجميل أيضاً ذو وقار، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يرسل دحية الكلبي إلى الملوك لأنه كان جميلاً وذا وقار.
قوله: (ولا يؤم الرجل في سلطانه) السلطان مصدر أو صيغة صفة، وهاهنا مصدر، قال الفقهاء: لو كان الزائر أحق بالإمامة فعلى إمام الحيِّ أن يقدمه، وأما الزائر فلا يتقدم بنفسه بدون الإذن، وشبيه هذا ما في الحديث: «لا تمنعو إماء الله من المساجد» وحث النساء على الصلوات في قعر البيت لا في المسجد، فإن مثل هذه الأمور يتقوم بالطرفين، فيأمر الشارع الطرفين بما يليق كل واحد منهما.
مسألة.
أقول: يجوز الاقتداء خلف المخالف من المذاهب الأربعة مطلقاً بدون كراهة وهو الظاهر، ونقل ابن الهمام عن شيخه الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، أن عدم جواز الاقتداء خلف المخالف ليس بمروي عن المتقدمين، وكذا ذكره الشاه عبد العزيز في فتاواه، واعترض ابن الهمام بما في الجامع الصغير في مسألة تحري القبلة، أقول: إن مبنى ما في الجامع الصغير ليس على ما زعم الشيخ