وفي "الصحيحين" عن ابن عباس، في قوله -تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} [1] ، قال: هي رؤيا عين، أريها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ليلة أسرى به، وهذه رؤيا الآيات؛ لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم، وكذبه قوم، ولم يخبرهم بأنه رأى ربه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه" ا. هـ [2] .
وبهذا تبين أن قول عائشة -رضي الله عنها- هو الراجح، الذي تؤيده الأدلة -والله أعلم-، وظاهره أن مرادها أنه -تعالى- لا يرى في الدنيا.
قوله: "وهو يقول: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} استدلت عائشة - رضي الله عنها - بظاهر الآية على نفي الرؤية، وقد قال بذلك بعض المفسرين، كما رواه ابن جرير بسنده، عن السدي، قال: "لا يراه شيء وهو يرى الخلائق" [3] .
وذكر ابن كثير ما رواه ابن أبي حاتم بسنده إلى إسماعيل ابن علية أنه قال: "هذا في الدنيا، وعن هشام بن عبيد الله نحوه" [4] .
وذكر السيوطي: أن الحسن قال مثل ذلك، قال: أخرجه أبو الشيخ، والبيهقي في كتاب: الرؤية [5] .
وبهذه الآية تعلق المعتزلة في نفي رؤية الله -تعالى- في الآخرة، ووجه ذلك أنه جعل متعلق الإدراك البصر، فلما نفاه عنه كان ظاهر ذلك نفي الرؤية. والحق ثبوت رؤية المؤمنين لله -تعالى- في الآخرة، كما تواترت النصوص في ذلك. [1] الآية 60 من سورة الإسراء.
(2) "مجموع الفتاوى" (6/580) . [3] انظر: "تفسير الطبري" (7/301) قال السيوطي: أخرجه ابن أبي حاتم، "الدر المنثور" (3/335) . [4] انظر: "تفسير ابن كثير" (3/303) .
(5) "الدر المنثور" (3/335) .