يتضمن ظاهرها التشبيه لصفات الخلق، وهذا من ظن السوء بالله وبكتابه وبرسوله، الذي أرداهم فضلوا سواء السبيل، وأضلوا كثيراً من عباد الله.
وقوله: "خلافاً للمجسمة" يقال له: من هم المجسمة الذين تقصدهم؟ وهل تستطيع أن تعين طائفة تؤمن بكتاب الله وسنة رسوله تقول: إن يمين الله جارحة؟ أو أن الله جسم؟ [1] فهؤلاء لا وجود لهم، ولكن مراده: الذين آمنوا بمثل هذا النص على ظاهره، وقالوا: إن لله يدين حقيقتين بدون تأويل، كما هو الواجب على المسلم؛ لأنه صريح النصوص، وأيقنوا أن تأويل اليد واليمين، ونحوها من صفات الله، بالقوة، أو القدرة، أو النعمة، أو ما أشبه ذلك، تحريف كتحريف اليهود الذين حرفوا الكلم عن مواضعه.
فهذا الشارح ومن على نهجه إلى اليوم يسمون هؤلاء مجسمة، ظناً منهم أن من أثبت هذه الصفات على ظاهرها، لزمه أن يكون مجسماً لربه، ومشبهاً له بأجسام الخلق، تعالى الله أن يكون له مثل أو شبيه.
قال شيخ الإسلام: "وليس هناك من أطلق لفظ الجسم، لكن نفاة الصفات يسمون كل من أثبتها مجسماً، بطريق اللزوم، إذ كانوا يقولون: إن الصفات لا تقوم إلا بالجسم، وذلك أنهم اصطلحوا في معنى الجسم على غير المعنى المعروف في اللغة، فإن الجسم في اللغة هو البدن، وهم يسمون كل ما يشار إليه جسماً، فيلزم على قولهم أن كل ما جاء به الكتاب والسنة وما فطر الله عليه عباده، وما {عليه} سلف الأمة، وأئمتها، تجسيماً، فهم يطلقون لفظ المجسمة والمشبهة، على أتباع السلف" [2] . [1] الذين نسبوا إلى التجسيم وذكرهم أصحاب المقالات بأسمائهم: هشام بن الحكم، وهشام ابن سالم الجواليقي، ومقاتل بن سليمان، وداود الجواربي، وكلهم رافضة، ما عدا مقاتل بن سليمان فإنه لم يثبت أنه قال بالتجسيم، وليس هو من الرافضة.
(2) "بيان تلبيس الجهمية" (1/626) .