وفي رواية: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار -تبارك وتعالى- فيها قدمه، فهناك تنزوي" [1] .
وأخرج حديث أنس هذا أبو نعيم في "المستخرج" بلفظ: "حتى يضع الله فيها قدمه" [2] .
ففي مجموع هذه الروايات البيان الواضح بأن القدم والرجل-وكلاهما عبارة عن شيء واحد -صفة لله- تعالى- حقيقة على ما يليق بعظمته.
كما فيها إبطال تأويل المؤولة، نحو قولهم: "إن القدم: عبارة عن إذلال جهنم إذا بلغت في الطغيان، وقولهم: إن المراد بالقدم: الفرط السابق من المعذبين، أي يضع الله فيها ما قدمه لها من أهل العذاب، وقولهم: المراد بالقدم: قدم بعض المخلوقين، وقولهم: يجوز أن يكون مخلوقاً اسمه القدم، وقولهم: المراد بالقدم: الأخير من أهل النار، وقولهم: إنه اسم مكان عصي الله فيه، فيلقى في النار.
وقول الداودي: إن المراد بالقدم: قدم صدق، وهو محمد -صلى الله عليه وسلم - والإشارة بذلك إلى شفاعته، وقال بعضهم: إن المراد بالقدم: قدم إبليس، إلى غير ذلك من السخافات المضحكة، الدالة على ضلال قائليها.
وزعم ابن الجوزي، وابن فورك: أن لفظ الرجل محرف من بعض الرواة عن القدم، وذهب مرة إلى تحريف المسمى بالتأويل، فقال: يحتمل أن يراد بالرجل: الجماعة" [3] ، فهذه التأويلات الباردة يكفي العاقل المنصف مجرد ذكرها عن تكلف ردها بالدليل لظهور بطلانها، فهي في الحقيقة تحريف للكلام الواضح البين، كتحريف اليهود حينما قيل لهم: "ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة" فدخلوا يزحفون على أعجازهم وقالوا: حبة حنطة.
(1) "الصفات" للدارقطني (ص15)
(2) "الفتح" (13/370) . [3] انظر: "الفتح"، فقد ذكر جميع هذه التأويلات، وسكت عليها (8/596) .