من ذلك الحافظ ابن حجر، وعندي فيه نظر، وذلك أن عادة البخاري التي سار عليها في كتابه هذا، أنه إذا جاء لفظ في الحديث، وفي القرآن لفظ يوافقه في اللفظ والاشتقاق، أنه يذكره وإن كان لا يوافقه في المعنى، وأمثلة ذلك كثيرة:
فهو في قوله: " أحصيناه: حفظناه" يشير إلى قوله -تعالى-: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} ، قال الأصيلي: " إحصاؤها: العمل بها، لا عدها وحفظها؛ لأن ذلك قد يقع للكافر والمنافق، كما في حديث الخوارج: " يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم" [1] .
وذكر العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - لإحصائها ثلاث مراتب:
"الأولى: إحصاء ألفاظها، وعددها. والثاني: فهم معانيها ومدلولها.
الثالثة: دعاؤه -تعالى- بها، كما قال: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .
والدعاء نوعان:
1-دعاء ثناء وعبادة.
2-ودعاء مسألة وطلب، وكلا النوعين ورد بهما القرآن بكثرة.
فلا يثنى عليه -تعالى- إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، كما لا يسأل إلا بها، ويسأل بها في كل مطلوب بما يناسبه ويقتضيه من الأسماء الحسنى، والصفات العلية الكريمة، كما تقدمت الإشارة إليه.
وهذا من أعظم الوسائل إلى الله -تعالى-، وأنفعها، ولهذا جاءت أدعية الرسل مطابقة لذلك" [2] .
(1) "فتح الباري" (11/226) . [2] انظر: " بدائع الفوائد" (1/164) .