ويجوز أن يكون المراد بالظن: العلم الموقن، ويكون المعنى: أنا عند علمه بي ويقينه بأن مصيره إليّ، وحسابه عليَّ، وأن ما قضيت به له أو عليه، من خير أو شر، لا مرد له، لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت" [1] .
وقال الحافظ: " أنا عند ظن عبدي بي" أي قادر على أن أعمل به ما ظن أن أعامله به، وقال الكرماني: وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على
الخوف، وكأنه أخذه من أن العاقل يختار لنفسه وقوع الخير، وهو مقيد بالمحتضر، لما في الحديث: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" [2] .
قلت: قول الحافظ هذا خلاف ظاهر الحديث، إذ هو خبر عن الله -تعالى- أنه عند ظن عبده به، يعني أنه -تعالى- يفعل بعبده ما ظنه العبد أنه يفعله به، وقد جاءت أحاديث مصرحة بذلك، كما في "المسند" من حديث واثلة بن الأسقع، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً فله، وإن ظن شراً فله" [3] ، ورواه ابن حبان، وهذا لفظه، وفي هذا أحاديث كثيرة.
وقال في "المفهم": "معنى: "أنا عند ظن عبدي بي" ظن الإجابة عند الدعاء، والقبول عند التوبة، والمغفرة عند الاستغفار، والإثابة على العمل، إيماناً بوعده -تعالى-؛ لما في الحديث "ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة" [4] .
ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في العمل، موقناً بأن الله يقبله، ويغفر له؛ لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف وعده.
(1) "المرعاة" (2/414) الطبعة الحجرية.
(2) "فتح الباري" (13/385-386) . [3] انظر: " المسند" (3/491) و (4/106) ، وانظر: " موارد الظمآن" (ص184) . [4] رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. انظر "السنن" (5/180) قلت: هو ضعيف؛ لأن في سنده صالح المري.