فيستفاد من هذه الرواية: المراد بقوله: " مِّن فَوْقِكُمْ، أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ "، ويستأنس له بقوله -تعالى-: {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [1] . وقد وقع أصرح من ذلك، عند ابن مردويه، من حديث أبي بن كعب، قال: في قوله -تعالى-: {عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} قال: الرجم، {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: الخسف.
وروى ابن أبي حاتم، من طريق السدي، عن شيوخه: أن المراد العذاب من فوق: الرجم، ومن تحت: الخسف.
وأخرج ابن عباس: " أن المراد بالفوق: أئمة السوء، وبالتحت: خدام السوء " انتهى [2] .
وذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أحاديث وآثاراً كثيرة.
قلت: في هذه الآية الكريمة التي ترجم بها البخاري، والحديث الذي ذكره، دليل واضح على وجوب الإيمان بوجه الله الكريم، وقد جاءت نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله تثبت ذلك، ولم يزل أهل العلم والإيمان يسألون ربهم بوجهه الكريم، ويدعونه بأن يرزقهم النظر إليه في الجنة.
ولم ينكر ذلك إلا الجهمية، ومن شايعهم على مذهبهم الفاسد.
قال الله -تعالى-: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [3] .
و"ذو" في الآية: وصف للوجه، فوصف -تعالى- وجهه الكريم بأنه ذو الجلال والإكرام، وهذا يبطل دعوى أن المراد بالوجه: الذات، كما يبطل دعوى كونه زائداً في الكلام. [1] الآية 68 من سورة الإسراء.
(2) "الفتح" (8/292) . [3] الآيتان 26، 27 من سورة الرحمن.