قال الإمام عبد العزيز الكناني، في محاجته لبشر المريسي، لما سأله بشر عن القرآن: أهو شيء أم ليس بشيء؟ قال: " فقلت لبشر: سألت عن القرآن، هو شيء أم غير شيء؟ فإن كنت تريد أنه شيء، إثباتاً للوجود، ونفياً للعدم، فنعم هو شيء.
وإن كنت تريد أن الشيء اسم له، وأنه كالأشياء فلا.
فإن الله أجرى كلامه على ما أجراه على نفسه، إذ كان كلامه من ذاته، ومن صفاته، فلم يتسم بالشيء، ولم يحمل الشيء اسماً من أسمائه، ولكنه دل على نفسه أنه شيء، وأنه أكبر الأشياء، إثباتاً للوجود، ونفياً للعدم، وتكذيباً للزنادقة، ومن تقدمهم ممن جحد معرفته، وأنكر ربوبيته، من سائر الأمم، فقال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [1] ، فدل على نفسه أنه شيء، لا كالأشياء، وأنزل في ذلك خبراً خاصاً مفرداً، لعلمه السابق أن جهماً وبشراً، ومن قال بقولهما، سيلحدون في أسمائه وصفاته، ويشبهون على خلقه، ويدخلونه وكلامه في الأشياء المخلوقة، فقال - عز وجل-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [2] ، فأخرج نفسه وكلامه وصفاته من الأشياء المخلوقة، بهذا الخبر، تكذيباً لمن ألحد في كتابه، وافترى عليه، وشبهه بخلقه. وعدد أسماءه في كتابه، ولم يتسم بالشيء، ولم يجعل الشيء اسماً من أسمائه" [3] .
ونقل الحافظ عن ابن بطال: " أن الآيات والآثار المذكورة في هذا الباب ترد على من زعم أنه لا يجوز أن يطلق على الله -تعالى- أنه شيء، كما صرح به [1] الآية 19 من سورة الأنعام. [2] الآية 11 من سورة الشورى.
(3) "الحيدة" (ص24-25) مطابع القصيم.