وأخبرني حرب بن إسماعيل، قال: قلت لإسحاق - يعني ابن إبراهيم - هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد.
وذكر عن ابن المبارك، قال: هو على عرشه، بائن من خلقه، بحد.
وأخبرنا المروزي، قال: قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: قال الله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [1] ، إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء، في أسفل الأرض السابعة، وفي قعور البحار، ورؤوس الآكام، وبطون الأودية، وفي كل موضع، كما يعلم علم ما فوق السماوات السبع، وما فوق العرش، أحاط بكل شيء علماً، فلا تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات البر والبحر، ولا رطب ولا يابس، إلا قد عرف ذلك كله وأحصاه، فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره" [2] .
ومعنى قولهم: "بحد" أنه -تعالى- بائن من خلقه، غير حال فيهم، ولا مخالط لهم - تعالى وتقدس - وقد قيدوا الحد، بأنه لا يعلمه إلا هو -تعالى- وهو قريب من قول الإمام مالك وغيره: " الاستواء معلوم، والكيف مجهول"، فبين أن كيفية استوائه -تعالى- على العرش مجهولة للعباد، ولكنه لم ينف ثبوت ذلك في نفس الأمر، فكذلك قولهم: له حد لا يعلمه إلا هو، والله أعلم.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله تعالى - في رده على بشر المريسي: " والله -تعالى- له حد، لا يعلمه غيره، ولا يجوز أن يتوهم لحده غاية في نفسه، ولكن نؤمن بالحد، ونكل علم ذلك إلى الله -تعالى-، ولمكانه حد، وهو على عرشه، فوق سماواته، فهذان حدان" [3] .
وقال عبد العزيز بن يحيى المكي الكناني، صاحب " الحيدة في الرد على الزنادقة والجهمية": " زعمت الجهمية في قوله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ [1] الآية 5 من سورة طه. [2] درء تعارض العقل والنقل" (2/24، 34-35) . [3] رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي (ص382) " مجموع عقائد السلف "