لا كما يقول أهل الكلام، من المعتزلة، والأشعرية، وغيرهم: إن أول ما يجب على العبد: النظر في الأدلة العقلية على وجود الله تعالى، أو القصد إلى النظر أو الشك، فهذا الحديث وأمثاله من نصوص الكتاب والسنة يبطل هذا الزعم الخاطيء.
"وذلك أن أصل العلم الإلهي ومبدأه، هو الإيمان بالله ورسوله، والاهتداء بوحيه، كما قال - تعالى -: {يُعِيدُ {49} قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [1] . وقال تعالى -: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} (2)
وقال- صلى الله عليه وسلم-: " أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، إلا بحقها". (3)
ولهذا ابتدأ البخاري - رحمه الله تعالى - "صحيحه" ببدء الوحي ونزوله، الذي يحصل به الهدى، والنور، ثم أتبعه بكتاب الإيمان، الذي هو الإقرار بالوحي والانقياد له، ثم اتبعه كتاب العلم الذي هو معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وفقهه، فهذا هو الترتيب الحقيقي.
والمطلع على أقوال أهل الكلام يعجب مما جعلوه أصل الدين الإسلامي، وبنوا عليه أن من لم يعرفه فليس بمسلم. [1] الآية 50 من سورة سبأ.
(2) الآية 52 من سورة الشورى.
(3) رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر، "الفتح" (1/75) ، وانظر: "مسلم بشرح النووي" (1/212) ، وروى من حديث جماعة من الصحابة في "الصحيحين" وغيرهما.