صفاته، ولا في مفعولاته، فإذا رام الإنسان أن ينفي شيئاً مما يستحقه؛ لعدم نظيره في الشاهد المحسوس، صار ما يثبته بدل نفيه أبعد عن المعقول، والمشهود" [1] .
ومن الحجج المشهورة على وجوب علو الله -تعالى-: ما تقدم في كلام ابن أبي العز: وهو أن يقال: لما خلق الله الخلق، لا بد أن يكون خلقه بائناً منه، فلا يجوز أن يكون الخالق -جل وعلا- في المخلوق، وأن يكون المخلوق حاوياً له، تعالى عن
ذلك، فلا بد أن يكون بائناً عنه، ولا يجوز أن يكون المخلوق فوق الخالق -تعالى وتقدس - فلا بد أن يكون عالياً فوق خلقه.
قال شيخ الإسلام: " معرفة القلوب، وإقرارها بفطرة الله التي فطرها عليها، أن ربها فوق العالم، ودلالة الكتاب والسنة على ذلك، وظهور ذلك في خاصة الأمة وعامتها، وكلام السلف في ذلك، أعظم من كونه -تعالى- يرى بالأبصار يوم القيامة، أو أن رؤيته بالأبصار جائزة.
ويشهد لهذا أن الجهمية، أول ما ظهروا في الإسلام، في أوائل المائة الثانية، وكان حقيقة قولهم في الباطن: تعطيل الرب -تعالى- من الصفات كلها، ولا يصفونه -تعالى- إلا بالسلوب المحضة، التي لا تنطبق إلا على المعدوم، وكانوا في الباطن ينكرون أن يرى، أو يتكلم، أو أنه فوق العرش، أو أن يكون موصوفاً بالصفات التي جاءت بها كتب الله، أو دلت عليها مع ذلك الدلائل العقلية، لكن ما كانوا يظهرون من قولهم للناس، ما هو ظاهر البطلان، وما ليس فيه شبهة، مثل نفي العلو المعروف، المتيقن من الدين بالضرورة عند العامة والخاصة، وإنما يظهرون ما فيه شبهة، ولهم عليه حجة، ويكونون فيه أقل مخالفة لما يعلمه الناس من الحجج الفطرية، الشرعية، وهذا شأن كل من أراد أن يظهر خلاف ما عليه أمة من الأمم من الحق، فإنهم لا ينقضون الأصول العظيمة الظاهرة ابتداء" [2] .
ومن المؤسف أن بعض ضلالات الذين ذكرهم الشيخ، قد ورثها كثير من علماء المسلمين، كالأشعرية الذين يزعمون أنهم أعداء لهم وخصوم، مع أنهم
(1) "بيان تلبيس الجهمية" (1/147) .
(2) "بيان تلبيس الجهمية" (2/78-79) بتصرف.