وفي خطبته -صلى الله عليه وسلم- في عرفة، في أعظم جمع اجتمع له -صلى الله عليه وسلم- بعدما أمر، ونهى، جعل يقول: " ألا هل بلغت؟ " فيقولون: نعم، عند ذلك يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إليهم، ويقول: " اللهم اشهد" - غير مرة - [1] .
والنصوص في ذلك كثيرة جداً، والحق في هذه المسألة واضح جلي، بل وفي كل ما يجب لله -تعالى- وما يمتنع عليه، ومعلوم أن الله -تعالى- قد أكمل لهذه الأمة دينها على لسان رسولها، وأتم عليها النعمة بذلك، وأنزل كتابه فيه تبيان كل شيء، ومعرفته -تعالى- بما له من الأوصاف، ومعرفة ما يمتنع عليه، هي أجل أمور الدين وأعظم أصوله، فلا بد أن يكون هذا قد بين غاية البيان.
ثم إنه ليس بين علو الله -تعالى- على جميع خلقه، ومعيته لخلقه، وقربه من عباده، منافاة، فعلوه -تعالى- واستواؤه على عرشه، ثابت ثبوتاً قطعياً، كما وضح ذلك -تعالى- في كتابه، وبينه رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك معيته -تعالى- لخلقه، قد وضحها وبينها رسوله، فوجب الإيمان بذلك، فكما أنه تعالى مستوٍ على عرشه، وعالٍ على خلقه، حقيقة، فهو كذلك موصوف بالقرب والمعية على الحقيقة.
قال شيخ الإسلام: " لا يخالف ما ثبت من علو الله، وأنه فوق العرش، معيته لخلقه، الثابت بمثل قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [2] .
وقوله - صلى الله عليه وسلم-: " إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن الله قبل وجهه" [3] ونحو ذلك.
وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة، كما جمع الله بينهما في [1] تقدم أنه أخرجه مسلم. [2] الآية 4 من سورة الحديد. [3] رواه البخاري في الصلاة، باب 33 (ص75) وفي أماكن متعددة، ومسلم.